أهداني الباحث الدكتور عبد الله صالح عبده نسخة من رسالته للدكتورة التي حصل عليها مؤخرًا لأطلع عليها والتي دارت حول أقوال الزمخشري في تفسيره الكشاف من أول سورة مريم إلى آخر سورة الشعراء دراسة نقدية فوقعت على رسالة علمية تستحق القراءة والاهتمام ليس لما بها من مادة علمية مفيدة وإنما لروعة الحوار وأدبه وما به من أخذ ورد بين منطلقات فكرية مختلفة حيث ينطلق صاحب الكشاف من قواعد الفكر الاعتزالي الذي يقدس العقل ويجعله فوق النقل أي إذا اختلف النقل مع العقل يأخذ بالعقل في مقابل فكر أشعري يأخذ بالعقل والنقل، والنقل هنا ما جاء في الكتاب والسنة من نصوص . أقول الجميل هو التعامل مع العالم الجليل أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري أو كما كان يسمي نفسه جار الله الزمخشري بما يليق بالعلماء من إجلال لعلمهم ولأرائهم .
أما ما يجب التنبيه عليه ولايعرفه كثيرون ممن يتحدثون عن الأزهر الشريف دون أن يحيطوا بحقيقته فإن هذا البحث يأتي في إطار مشروع علمي يتناول كتب التراث ومنها تفسير الكشاف للزمخشري حيث كلف به مجموعة من الباحثين كان من حظ باحثنا تناوله من أول تفسير سورة مريم إلى آخر سورة الشعراء وهو مشروع علمي ضمن مشاريع علمية كثيرة تضرب في عمق الزمان طولا في التعامل مع فكر السابقين بالقراءة العقلية والنقدية.
أذكر من اعلام اصول الدين في ذلك الشيخ الصادق عرجون عميد كلية أصول الدين الأسبق رحمه الله ورضي عنه الذي قدم دراسة تحليلية لوقائع السيرة النبوية فناقس كثيرا من الوقائع التي أقر بعضها ورفض بعضها دون صخب أو حط من مكانة الرواة مثلا والناقلين وإنما تعامل معهم بأدب اللاحق مع السابق دون أن يمنعه ذلك من إيراد ما يراه صوابًا
من يقرأ الرسالة يدرك ما يقوم به الأزهر الشريف من جهود علمية تمنحه بحق ريادته التي نالها على مدي تاريخية وتجعل أفئدة طلاب العلم تهفو إليه من كل مكان ويلجأ إليه الحيارى في المعضلات ليستمعوا لرأيه
وتفسير الكشاف من أهم التفاسير التي اهتمت ببلاغة القرآن الكريم وإعجازه البياني، وهو من التفاسير التي أخذ منها أغلب من اهتموا ببلاغة القرآن ودلائله الاعجازية رغم أن صاحبه كان حريصًا على بث فكره الاعتزالي فيما يتناول من تفسير معلنًا ذلك، لكنه يبقى درة التفاسير كما قال العلماء وقد صدق الزمخشري نفسه حين قال عن تفسيره:
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد
وليس فيها لعمري مثل كشافي
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته
فالجهل كالداء والكشاف كالشافي
أما منهج الزمخشري في تفسيره فيتمثل في ذكر السورة وعدد آياتها واين نزلت مكية أم مدنية، وأحيانا يذكر سبب النزول ويبين ما يتعلق بالكلمة من نحو وبلاغة ويستخدم في ذلك المناقشة حيث يفترض أنه يحاور آخر فيقول: إن قلت كذا أقول: كذا .ثم يقف أمام ظاهر بعض الآيات التي فيها نصرة لمذهبه الاعتزالي وينبه عليه.
كما يعتمد على تفسير الآيات بالآيات أي أنه يفسر القرآن بالقرآن ويستشهد بالأحاديث النبوية لكنه لا يهتم بصحتها من عدمه، كما يذكر في المسألة أقوال الصحابة والتابعين والناسخ والمنسوخ وكذلك المسائل الفقهية التي تتضمنها الآية دون تعصب لمذهب فقهي محدد ،وقد كان مذهبه حنفيًا ،كما يستخدم الشعر في استدلالاته على المعاني.
أما الباحث فقد حصر أقول الزمخشري التي خالف فيها الزمخشري آراء المفسرين سواء أكانت أقولًا في العقيدة أو في اللغة أو في القراءات وكذلك بعض المسائل النحوية ثم ناقشها الباحث وعرض آراء العلماء وقدم فيها رأيه
والرسالة سياحة ممتعة بين عقول العلماء سواء صاحب الكشاف أو من علق على آرائه من العلماء القدامي أو ترجيحات الباحث بين هذه الآراء
بقي أن نذكر أن الرسالة ناقشها كل من الدكتور محمد حسن سبتان مشرفًا والدكتور عوض محمد يوسف مشرفا مشاركًا والدكتور طه عبد الخالق مناقشات والدكتور عبد الله رفاعي مناقشا