لي صديق يعمل في التجارة ، بدأ حياته بقصة كفاح ، وأصابه تعب ونصب ، وورث المهنة عن أبيه ، فبذل في سبيل تحقيق المجد أعظم الجهد ، وكون هو وإخوته شركة تجارية ، ظلت تنمو وتنمو حتى صارت تستورد المواد الغذائية من الخارج ، وتصنعها وتبيع منتجاتها في مصر ، وقد عرفتُ صديقي هذا وإخوته يتحرّون الحلال ، ويجتنبون الحرام ، ورفضوا أن تقوم شركتهم على القروض الربوية ، فمنّ الله عليهم ، ورزقهم من فضله ، وفتح لهم أبواب الخير ، فحصلوا على شهادة تقدير من المصطفى صلى الله عليه وسلم ، مكتوب فيها : َالتَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ.أخرجه التِّرْمِذِيّ عن أبي سعيد .
آمن صديقي وإخوته بقوله تعالى " وما بكم من نعمة فمن الله " ، واعترفوا بفضله وكرمه ، فإذا بهم لا يدعون مناسبة من المناسبات إلا ونحروا الذبائح ، ووزعوها على الفقراء ، بل امتد كرمهم إلى الأحباب والأصدقاء ، فاقتحموا العقبة ، بإطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيما ذا مقربة ، أو مسكينا ذا متربة .
ومن باب قوله تعالى " وأما بنعمة ربك فحدّث " قرروا أن يبنوا مسجدا ، فبذلوا في إنشائه أعظم البذل ، وجاء بناء شامخا في ثلاثة طوابق ، تشق مئذنته عنان السماء ، وفرشوه بأجود البسط ، وتكفلوا بكل ما يحتاجه المسجد ، ولم يقبلوا أن تجمع فيه تبرعات ، بعد أن أغناهم الله من فضله ، بل أنفقوا على العاملين به ، وسدوا حاجتهم ، فنالوا وسام شرف من السميع العليم ، مكتوبا فيه ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه . ، وقد ألقيت خطبة الجمعة في هذا المسجد ست سنوات ، أحتسب ذلك لله ، وأسأله القبول .
ومن أعمال الخير التي قام بها صديقي التاجر أن أنشأ هو وإخوته في أعلى المسجد جمعية خيرية ، وسجلوا بها أسماء المحتاجين من أبناء المدينة ، وخصصوا لهم رواتب شهرية ، وعنوا فيها بكفالة الأيتام ، وتزويج اليتيمات ، وتوزيع الصدقات من زكاة أموالهم ، ومما جادت به أنفسهم .
وقد طلب صديقي التاجر وإخوته ألا أذكر أسماءهم ، خوفا من شبهة الرياء ، فدعواتي لهم في هذه الأيام المباركة ، وتمنياتي لهم بالمزيد من التوفيق في الدنيا والآخرة ، اللهم اغفر لهم ، وتقبل منهم ، واجعل عملهم خالصا لوجهك الكريم ، واجعله في ميزان حسناتهم ، برحمتك يا أرحم الراحمين .