تعجب أصدقاء كثيرون من أن يصدر كتاب مثل “قوننة البخارى ومسلم” فى أمريكا، وباللغة الإنجليزية، وهو الكتاب الذى أشرت إليه فى هذه الزاوية الأسبوع الماضى، للدكتور الأمريكى المسلم “جوناثان براون”، أستاذ الحديث بجامعة جورج تاون فى واشنطن، وتساءل معظم أصدقائى عن الجمهور الذى سيقرأ هذا الكتاب فى أمريكا والغرب، والذى لابد أن يكون مهتما بقضية الحديث النبوى، وبالإسلام عموما، وعلى علم مسبق بالشيخين والصحيحين وما يثار حولهما، أم أن كتابا بهذا العمق العلمى، سيكون للخاصة من الطلاب الذين يدرسون علم الحديث هناك لا أكثر؟!
هذا التساؤل المشروع دفعنى إلى إمعان النظر فى ظاهرة انتشار الكتاب الإسلامى فى الشرق والغرب على وجه العموم، باعتبارها إحدى توابع الظاهرة الإسلامية التى فرضت نفسها على عالمنا مع بداية عصر الاستعمار الحديث، وانطلاق حركات المقاومة الدينية والوطنية فى مواجهته، فضلا عن اهتمام الغرب ـ أساسا ـ بدراسة الشرق العربى الإسلامى لاحتوائه والسيطرة عليه.
ومع كر السنين وتقلب الأحداث، ازداد اهتمام العالم بالإسلام والمسلمين، وصار هناك شغف لدى العامة لمعرفة هذا الدين الذى يسمعون ويقرأون عنه كلاما متناقضأ، البعض يتهمه ويهاجمه، والبعض يمتدحه ويدافع عنه، وزاد من هذا الاهتمام اتجاه أسماء كبيرة فى الغرب من العلماء والمفكرين إلى اعتناق الإسلام بعد تدبر ودراسة، وسجل هؤلاء تجاربهم فى كتب لاقت رواجا كبيرا.
وبشكل أو بآخر ارتبطت ظاهرة انتشار الكتاب الإسلامى فى الغرب بانتشاره فى العالم العربى والإسلامى، مواكبة لما عرف منذ سبعينيات القرن الماضى بـ ” الصحوة الإسلامية “، التى جاءت فى أعقاب نصر اكتوبر العظيم، وانحسار موجة ” القومية العربية “، ولعلنا نتذكر أن الكتاب الإسلامى كان دائما فى مقدمة مبيعات معارض الكتاب المتتالية، حتى صار يشكل ظاهرة لافتة لكل من يتابع مبيعات دور النشر، خاصة عندما كان المؤلفون بقامة الشيخ محمد الغزالى ومالك بن نبي وخالد محمد خالد ومصطفى محمود ووحيد الدين خان وناصر الدين الألبانى و د. محمد عمارة ود.عبد الصبور شاهين وغيرهم، وكان يقال عادة إن ” الكتاب الدينى” اكتسح معرض الكتاب، تحرجا من الاعتراف بحقيقة أنه ” الكتاب الإسلامى”.
وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك ازدادت ظاهرة الكتاب الإسلامى انتشارا فى الغرب، وتنوعت الكتب التى تعالج القضايا الإسلامية باللغات الأجنبية، سواء فى الفقه أو التاريخ أو الحديث، وظهر تيار يدعو لإعادة اكتشاف الإسلام، سواء على مستوى الدوائر البحثية أو على مستوى المواطن العادى ، وخرج جيل من الكتاب الغربيين أكثر قدرة على التحرر من تراث الاستشراق البغيض، بل انتقاد هذا التراث، والنظر إلى الإسلام كشريك أو كبديل، وليس عدوا.
وبينما كان هناك من يروج لـ “صراع الحضارات” و “الإسلاموفوبيا” كان هناك كتاب آخرون استطاعوا أن يتخلصوا نسبيا من الفكر الاستعمارى الاستعلائى، وأصدروا كتبا تدعو إلى تصحيح الصورة السلبية التى تشكلت فى بلادهم عن الإسلام والمسلمين والعرب، وقد عرضت فى مقالات سابقة لبعض هؤلاء الكتاب وكتبهم، ومنهم على سبيل المثال:المستشرق ” توماس باور” صاحب كتاب ( ثقافة الالتباس: نحو تاريخ آخر للإسلام) الذى يدعو إلى تصحيح موقف الغرب السلبى من الإسلام، و”فريتس تشيبات” صاحب کتاب (الإسـلام شريكا) الذى حاول تقديم الإسـلام على صورته الحقيقية، باعتباره شريكا حضاريا، والمستشرقة ” زيجريد هونكة ” صاحبة كتاب (الله .. ليس كمثله شيء: الكشف عن ألف فرية وفرية عن العرب)، وفيه تؤكد أن الإسلام هو أكثر الأديان تسامحا وإنصافا للآخر، و كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية فى أوروبا)، الذى رصدت فيه تأثير العرب على أوروبا فى التجارة والصناعة والرياضيات والأرقام وعلوم الطبيعة والفلك والطب والأدب وفروع المعرفة والثقافة العامة.
ولا ننسى منصفة الإسلام والحضارة الإسلامية “آن مارى شيمل” صاحبة كتب ( الشمس المنتصرة)، و(الجميل والمقدس)، و(الأبعاد الصوفية فى الإسلام وتاريخ التصوف)، و”كريستوفر دي بلليجو” صاحب كتاب (التنوير الإسلامى).
أما الكاتبة البريطانية ذائعة الصيت (كارين آرمسترونج ) المتخصصة فى بحوث مقارنة الأديان فلها العديد من الكتب التى تدافع عن الإسلام، ومن أشهرها (محمد.. نبي لزماننا)، و(الحرب المقدسة : الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم)، و(حقول الدم : الدين وتاريخ العنف)، و(النزعات الأصولية فى اليهودية والمسيحية والإسلام)، و(الإسلام فى مرآة الغرب) الذى خلصت فيه إلى أنه ما لم يكف الغرب عن محاولاته لسحق الشخصية العربية الإسلامية وإذلالها فستكون هناك كارثة حقيقية تهدد هذا العالم.
ومما يثير السخرية أنه بينما يتجه الغرب للتخلص رويدا رويدا من النزعة الاستشراقية المعادية للإسلام، ظهر لدينا جيل من الكتاب العرب والمسلمين يتبنى هذه النزعة المقيتة، ويردد أباطيلها كأنها من اكتشافه، فينقل مشاغباتها بدعوى العلمانية والتجديد، ويتعالم بالضلالات التى صار يترفع عنها الباحث الغربى.
وعلى سبيل المثال، يتسابق المشاغبون العرب إلى اتهام ابن تيمية بالتطرف، انطلاقا من “صورة ذهنية” معلبة، تغذيها الصهيونية العالمية ودوائر المحافظين الجدد، بينما هناك كتب أجنبية تعتبره عقلا إسلاميا كبيرا، ينطلق أصحابها من فكر باحث مدقق متحرر.