أعجبني تفسير الانبا ارميا الاسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي لاصرار الغربيين على حرق المصحف الشريف وتكرار الواقعة اكثر من مرة في الفترة الأخيرة رغم الاحتجاجات المختلفة والرفض الشديد للجريمة وتعمد إهانة المقدسات الدينية..
قال انهم يريدون هدم الثوابت الدينية وغيرها من اجل نشر الشذوذ والترويج له في كل المجتمعات إضافة الى اشعال نار الفتن في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة حينما تمتد العملية الى حرق الكتب الدينية الأخرى..اليوم القران وغدا الانجيل وبعده التوراة..
نيافة الانبا كان يتحدث امام الملتقى العلمي في كلية الاعلام جامعة القاهرة الذي عقد نهاية يوليو بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية واتحاد الجامعات العربية تحت عنوان: دور الاعلام في اثراء الحوار بين الحضارات ..
وكشف عن ترتيبات تجري مع مشيخة الازهر لعقد مؤتمر تحت عنوان : لا للشذوذ ..لمواجهة المتطرفين على هذا الصعيد الذين يريدون هدم الدنيا كلها وليس القيم الدينية فقط مشيرا الى ان الإسلام والمسيحية يحرمان الشذوذ ويؤكدان على العلاقات الطبيعية بين الرجل والمراة في الاطار الشرعي ..كما تقدم الأديان قواعد مشتركة لضبط حياة البشر لان الانسان له قيمة في كل الشرائع السماوية ..
أفكار مهمة وحيوية أثيرت خلال الملتقى خاصة فيما يتعلق بضرورة بيان وتفسير حقيقة ما يجري على الساحة وكشف المخططات الرئيسية لها ثم وضع الاستراتيجية المناسبة لها والتى تضمن معالجة الأزمة من جذورها والا يتوقف الأمر عند حدود ردود أفعال رتيبة مملة ومكررة ولم تعد تجدي ولا تغني ولا تسمن من جوع..
قلت في نفسي وانا أتابع المناقشات الجادة التى شارك فيها علماء كبار في علوم الاتصال الجماهيري وفقهاء كبار من الازهر ورجال دين من الكنيسة..رب ضارة نافعة ..هل تتحول واقعة حرق المصحف في السويد الى نقطة تحول جوهرية في طرق وكيفية معالجة قضايانا الإسلامية الحيوية خاصة التي يثيرها الغرب وزبانيته في الداخل والخارج ويسعون من خلالها الى اهالة التراب على الزخم الحضاري الذي يمكن أن يمنحه الدين للإنسانية لإنقاذها من هجمات جاهلية جديدة تعشش في حنايا غروب حضارة تستعد للأفول أو على الأقل بدأت في الانهيار أخلاقيا وهي تندفع بقوة غير محسوبة نحو تقنيين وتشريع الفواحش والرذائل والموبقات وكثير من الأمور التى تصطدم بقوة وطبيعة الفطرة الإنسانية والجبلة التى خلقها الله عليها ..
نقاط ضوء كثيرة تتلألأ في الأفق على طريق تصحيح المسارات المعوجة في التعامل مع الملفات الأخلاقية وقضايا حقوق الإنسان الصحيحة وليست الموجهة أو المستخدمة كسيوف على رقاب البلاد والعباد التى تغرد خارج السرب المرسوم أو التى ترفض وتحتج فيرفعون في وجهها سياسة العصا الغليظة وما يتبعها من اتهامات جاهزة ومعلبة على هذا الصعيد ولا مانع من أن تتطور الأمور إلى فرض عقوبات وفرض حصارات من أنواع شتى ..
ورغم تعدد وتنوع مشارب وثقافات المشاركين في المناقشات الا انها واحدة من المرات النادرة يبدو فيها الأمر حقيقة وكأنهم هذه المرة على قلب رجل واحد.. العين والقلب واللسان مصوبة نحو الهدف الذي كان في مركز الرؤية تماما. ولعله من المبشرات والرسائل المطمئنة بعد أن بلغ السيل الزبى ويكاد ان يتجاوز الحلقوم بعد ان بلغت الاستهانة مبلغها في ظل محاولات لتبريرها وأنها جزء من حرية التعبير التى يزعمون أنها مقدسة .. رغم أنهم في الغرب اول من يضربون بها عرض الحائط ويدوسونها بالاقدام أو على الأقل يتغاضون عنها لتحقيق مصالحهم وعند الاستجابة لمطالبهم غير المشروعة..
الاعترافات والمصارحة الشديدة بواقع الحال المؤلم على الساحة فتحت الباب واسعا لاستشراف آفاق واعدة قد يكون لها أثرها وتأثيرها سواء على صعيد المواجهة الحتمية أو على صعيد الوعي والحماية والتأمين من حملات الزيف والضلال الممنهجة والمقصودة أما لنقض البنيان الأساسي أو في محاولات العبث بالعقول وخلق اجيال ضائعة بلا هوية تتقاذفها الأمواج في كل اتجاه لا يحمد عقباه..
كان هناك إجماع على أن القضية تتجاوز بكثير مجرد قيام وتوظيف متطرف من هنا وهناك بحرق مصحف أو كتاب سماوي ..المسألة سياسية في المقام الأول ..هكذا قال بوضوح السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق مؤكدا أن الأفعال المشينة والاعتداء على المقدسات وحرق المصحف وماشابهها من أمور ترفع وتيرة العنف والتوتر هي في الأساس ومن البداية امور سياسية والنتائج المترتبة عليها سياسية أيضا لأن العلاقات بين الدول تصاب بأضرار بالغة ويتم استدعاء سفراء وقطع العلاقات وربما تتطور الأمور إلى أشياء أخرى لا يحمد عقباها ..
قال إننا لم نفاجأ بتلك الأعمال المشينة ولكنها زادت بصورة كبيرة مؤخرا خاصة بعد صدور ما يعرف بصدام الحضارات وكتابات صموئيل هنجتون ومحاولات البحث عن عدو جديد كان هدفها اساسا الحفاظ على الحضارة الغربية وسيادتها .. ولم يكن الأمر مجرد كتاب لكاتب ما أو عرض لتصورات علمية ولكنها كانت عملية سياسية في المقام الأول..
استطرد.. لقد عانينا الأمرين في ظل هذه التوجهات ووصلت الحالة إلى أشدها بعد حادثة ١١ سبتمبر إياها واستخدام القوة الصلبة والحرب على أفغانستان والعراق وباكستان ..
يطرح السفير العرابي العديد من التساؤلات المعبرة والموحية وماذا بعد وماذا عن الاستراتيجية الأممية ومبادرات الأمم المتحدة التى لم تسفر عن شيء وغير ذلك .. يؤكد أن الأمر يحتاج فورا إلى إعادة ترتيب الأمور حتى لا نفاجأ باشتعال النيران والفتن والحروب..
لابد من استغلال القوة الناعمة بطريقة جادة وتوجيه رسائل الى الشباب والنشئ عموما الذي يتعرض لحملات ضارية ويتم تغذيته بأفكار شاذة وغريبة صباح مساء .. واذا كانت امريكا قد ابتدعت سياسة لماذا يكرهوننا.. فلماذا لا نسعى نحن إلى سياسة مماثلة لماذا لا يحبوننا .؟! . لابد من أطر مختلفة للمعالجة وبكل الطرق مباشرة وغير مباشرة تستخدم فيها كل الوسائل والأدوات التعليمية والتثقيفية والسينما والدراما لوقف الفتن المستمرة..منوها هنا بأهمية الدور الإعلامي ووسائل التواصل المتعددة ..
الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى رئيس رابطة الجامعات الإسلامية عرض أهمية المبادرة التى طرحها أمام الأمم المتحدة مؤخرا للحوار الجاد بين الحضارات..
موضحا أن البشرية وصلت باختلاف أعراقها وتوجهاتها إلى حقيقة لا جدال فيها بشأن الصراعات والحروب، وهي أن الحرب أصبحت أكثر كلفة وأشد خطرًا ووحشية وتدميرًا من أي وقت مضى ومع ذلك لا يزال هناك من حملة الأحقاد التاريخية ومروّجي الكراهية الدينية ومنظري الصراع الحضاري، من يضع إصبعه على زناد العداوات ومن يتحين الفرصة لإشعال فتيل الصدامات والانقسامات.
وقال انه من دون تواصل وتعاون وتضامن بين حضارات العالم وأديانه، في مواجهة القوى المظلمة الا بالحوار الصادق والمثمر يرتكز على المصالح المشتركة كإخوة في الإنسانية شركاء في عمارة الأرض مسؤولين أمام الله تعالى ثم أمام التاريخ عما نتركه للأجيال القادمة.
الدكتور سامي الشريف الأمين العام للرابطة يقطع بكل ثقة أنه لا فائدة من صدام الحضارات لأن الاصوات الداعية للصراع والصدام خلقت بيئة متطرفة لا تقبل بالحوار وان التكامل بينها هو الحل الامثل .. مشددا على ضرورة أن يكون الحوار قائما على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.اشار إلى أن معظم الصراعات نابعة من غياب التسامح وعدم فهم مقاصد الشرائع السماوية ..وشدد على دور وسائل الإعلام في إثراء الحوار بين الحضارات، حيث تزداد أهمية وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في ظل ما نشهده من ظروف وسيادة مفاهيم جديدة كالعولمة والكوكبة التي تستهدف تدمير الانتماءات الوطنيه وطمس هويتها موضحا أن العولمة التي تبشر بها وسائل الإعلام هي دعوة لعالم بلا دولة دون أمه بدون وطن. الأمر الذي يلقي بمسئولية كبيرة على وسائل الإعلام في البلدان العربية والإسلامية وأهمية أن تقوم بدورها الوطني في دعم قيم الانتماء وأن تكون حائط صد لكل محاولات وسائل الإعلام المعادية التي تعمل على زعزعة أمن الأوطان واستقرارها.
لفت د.عمرو سلامة امين اتحاد الجامعات العربية الأنظار إلى أن الحضارة العربية الإسلامية وحضارات المنطقة جسدت مبدأ “التنوّع في إطار الوحدة”، وكانت منارات هادية للبشرية جمعاء ولم تكن يوماً حضارات منغلقة على نفسها بل كانت منفتحةً على الحضارات والثقافات الأخرى في العالم حيث استوعبت شعوباً وقوميات وثقافات وأتباع ديانات وعقائد كثيرة واستطاعت أن تصنع من هذا المزيج الثقافي المتنوع إنجازاً حضارياً أسس عملياً بشكل أو بآخر لمفاهيم التعايش والتبادل الثقافي والحوار المتكافىء وقبول الآخر ضمن إطار إنساني جامع يحترم الثقافات المتنوعة.
وشدد على أهمية الاستفادة من تقنيات الثورتين الصناعية الرابعة والخامسة من أجل تطوير صناعة الإعلام في المنطقة العربية والاسلامية وتقديم إعلام معاصر يقوم على التعددية والاستقلالية والتنافسية والمهنية والحرية المسؤولة.
لابد أن نتوقف أمام الرؤية المتميزة والفريدة التى طرحها الدكتور حسين امين أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية في إطار المواجهة للتحديات الجديدة التي توقع أن تزيد في الفترة القادمة .. إذ طالب بالدخول إلى ما أسماه بـ الدبلوماسية الإعلامية وضرورة تجربتها بعدما حدث مع الدبلوماسية الشعبية التى لم تحقق أهدافها..
يرى أن الدبلوماسية الإعلامية تقوم على محوري الخبراء والافراد وفي الناحيتين الشعوب هي المستهدفة .. ويتم استغلال ميزة التفاعلية التى يوفرها الإعلام الحديث خاصة الرقمي والمنصآت التى يتيحها للتواصل والتفاعل مع العالم … وشدد على أن الأمر يحتاج إلى إعداد كوادر علمية وفنية لضمان نجاح المهمة وتوصيل الرسالة بنجاح ..مؤكدا أن استغلال الاستراتيجية الجديدة سيحدث الفارق..
وهو الأمر الذي ذهبت إليه الدكتورة حنان جنيد عميدة كلية الإعلام ودعت إلى تدريس مواد علمية عن حوار الحضارات في كليات الإعلام لتخريج كوادر قادرة على العمل بالكفاءة المطلوبة .. وزادت على ذلك بطلب ضرورة التعاون والتنسيق بين الجهات المختلفة الرسمية والشعبية المهتمة بحوار الحضارات ..
** ترى هل نحن جادون هذه المرة واننا قادرون على أن نواصل مسيرة العمل بجد وبنفس غير مقطوع وبروح مغايرة تبعث الامل في النفوس وتبشر بالخير وتنتشل الغرقى من اوحال الضلال وتلقي إليهم بمراكب النجاة من بحور الظلمات لتقودهم إلى مرافيءالامان والطمأنينة والسلام؟!
نعم نحن قادرون.. ولكن …!!
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com