شكّل تحقيق الأمن الغذائي للجميع أحد الأولويات الرئيسية لبلدان المنطقة العربية. ويكمن التحدي في توفير الكمية المطلوبة من الغذاء العالي الجودة لسكان المنطقة الذين تجاوزوا الـ360 مليون نسمة، وسيتضاعف عددهم بحلول عام 2050 إذا ما استمرت معدلات النمو ذاتها.
ويكبر التحدّي في ظلّ المعوقات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المنطقة، وأبرزها ندرة المياه التي يتوقّع أن تتفاقم بفعل تغير المناخ والأحداث المناخية المتطرفة، وتناقص الأراضي الصالحة للزراعة، وأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة، وتغيّر أنماط العيش، وتدهور البيئة، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
على الرغم من أن المنطقة العربية تسعى جاهدة لتحقيق مستويات أعلى من الأمن الغذائي، غير أن كيفية تقييم مستوى الإنجاز في هذا المجال لا يزال غير واضح. وهذا تحدٍ لا يخصّ المنطقة العربية تحديداً، إذ أن قياس الأمن الغذائي أمر معقد وينطوي على الكثير من العوامل.
نهضة وطفرة شهدها قطاع الزراعة في مصر خلال السنوات الثمانية الماضية ويحظى بدعم غير مسبوق من القيادة السياسية.
تم زيادة الاستثمارات الحكومية الموجهة إلى قطاع الزراعة في السنوات الأخيرة وتنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى واستهداف زيادة الرقعة الزراعية بأكثر من 3.5 مليون فدان في سبيل تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي
شملت مشروع استصلاح وزراعة الأراضي في جنوب الوادي بمشروع توشكي الخير بمساحة 1.1 مليون فدان ومشروع الدلتا الجديدة العملاق بمساحة 2.2 مليون فدان ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة 456 ألف فدان ومشروع تنمية الريف المصري بمساحة 1.5 مليون فدان، بالإضافة وغيرها من المشروعات العملاقة
الزراعة هي القطاع الأكبر توفيرا للوظائف في العالم، حيث توفر سبل العيش لنسبة 40 في المائة من سكان العالم اليوم. وهي أكبر مصدر للدخل وفرص العمل للأسر الريفية الفقيرة.
وتوفر 500 مليون مزرعة صغيرة في جميع أنحاء العالم، يعتمد معظمها حتى الآن على الأمطار، ما يصل إلى 80 في المائة من الغذاء المستهلك في جزء كبير من العالم النامي. والاستثمار في أصحاب الحيازات الصغيرة من النساء والرجال هو طريقة هامة لزيادة الأمن الغذائي والتغذية للأشد فقرا، فضلا عن زيادة الإنتاج الغذائي للأسواق المحلية والعالمية. ومنذ بداية القرن العشرين، خسرت حقول المزارعين نحو 75 في المائة من تنوع المحاصيل. ويمكن للاستخدام الأفضل للتنوع الزراعي أن يساهم في وجبات مغذية أكثر، وفي تحسين معيشة المجتمعات الزراعية وفي توفير أنظمة زراعية أكثر مرونة واستدامة.
لو تحصل المزارعات على الموارد التي يحصل عليه المزارعون لقل عدد الجوعى في العالم بمقدار يصل إلى 150 مليون شخص.
ولا يحصل 1.4 مليار شخص في أنحاء العالم على الكهرباء – حيث يعيش أغلب أولئك في المناطق الريفية من العالم النامي. فالفقر في مجال الطاقة يشكل في عديد المناطق عائقا رئيسيا أمام خفض الجوع وكفالة إنتاج العالم ما يكفي من الغذاء للوفاء بمتطلبات المستقبل. أن الدولة المصرية وضعت مسألة الأمن الغذائي نصب أعينها كأولوية قصوى،
حيث ارتكزت استراتيجية مصر في مجال الأمن الغذائي على توفير مخزون آمن من السلع الغذائية الأساسية، لضمان عدم تأثرها بالاضطرابات العالمية، وتشجيع الإنتاج المحلي، منوها في هذا الصدد بمشروع الدلتا الجديد، التي وصلت المساحة المهيئة للزارعة فيه إلى 568 ألف فدن، منها 200 ألف فدان تم زراعتها بالفعل. يعد دعم الأمن الغذائي وسبل العيش جزءاً مهماً من استجاباتنا للطوارئ والتعافي، وكذلك في بناء قدرة المجتمعات المحلية والأسر على الصمود على المدى الطويل.
يتحقق الأمن الغذائي عندما يكون لجميع الناس إمكانية الوصول المادي والاقتصادي في جميع الأوقات لشراء أو إنتاج أو الحصول على أو استهلاك أغذية كافية ومأمونة ومغذية، لتلبية احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة صحية ونشيطة.
سبل العيش هي القدرات والأصول والأنشطة التي يقوم بها لكسب المال وتأمين سبل العيش.
تختلف برامج الأمن الغذائي وسبل العيش لدينا اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على السياق، وغالبًا ما يتمّ تقديمها بالاشتراك مع القطاعات الأخرى. وهي تركّز على ثلاثة مجالات رئيسية:
ضمان الحصول على الغذاء وحماية سبل العيش أثناء وبعد حالة الطوارئ مباشرة، من خلال المساعدة النقدية والتحويلات العينية في المقام الأول
استعادة وتعزيز الأصول للمجتمعات والأسر، القدرات والاستراتيجيات لتحسين الأمن الغذائي، وتأمين سبل العيش خلال مرحلة التعافي، بعد وقوع كارثة أو أزمة
تعزيز الأمن الغذائي، وتوسيع سبل العيش الذكية مناخياً والخضراء، وبناء قدرة الأسرة على الصمود من خلال دعم الإنتاج الريفي والحضري المحسّن، والعمالة الذاتية والمدفوعة الأجر، وريادة الأعمال
إن تأثير سوء التغذية على صحة الأطفال وعلى رأس المال البشري والاقتصادي على مستوى البلاد هو أمر مثبت وموثق. فسوء التغذية يشكل 35% من عبء الأمراض بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات. ويؤدي ضعف التغذية في سن مبكرة إلى ضعف الاستعداد الدراسي والأداء مما ينتج عنه قضاء سنوات أقل في المدارس وانخفاض معدلات التحصيل الدراسى.
أما التقزم وفقر الدم فيؤديان إلى انخفاض الانتاجية في الأعمال التي تتطلب مجهوداً جسدياً. ويتحول الأطفال المتقزمين إلى بالغين متقزمين تقل إنتاجيتهم بنسبة تتراوح ما بين 2 -6 % عن البالغين ذوي الطول العادي. وتشير التقديرات إلى أن انخفاضاً بنسبة 1 % في طول البالغين يعادل انخفاضاً بنسبة 1.4 % في الإنتاجية. ونظراً إلى ما سبق، فقد طورت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي مشروعاً أطلقت عليه اسم “تحسين الأمن الغذائي والتغذية في مصر باستهداف النساء والشباب” تم خلاله دمج الوعي التغذوي مع الإنتاج الغذائي وأنشطة توليد الدخل. ويهدف المشروع إلى مساعدة الحكومة المصرية على خلق بيئة آمنة غذائيا يتمكن خلالها النساء والشباب من الحصول على الغذاء الكافي والمتنوع من مصادر حيوانية ومن الخضروات وتزويدهم بالمعرفة والمهارات الضرورية في استخدام الغذاء واتباع أنظمة غذائية كافية تغذوياً. ويتم تطبيق المشروع في خمس محافظات هي أسيوط، أسوان، بني سويف، الفيوم، وسوهاج.
تعد قضية الأمن الغذائي من القضايا المهمة التي ستُناقش على طاولة الحوار الوطني، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه الدولة المصرية مجموعة من التحديات التي تعوق طريقها في تحقيق استقرار مستدام في ملف الغذاء؛ فمنذ 2008 مر العالم بأكمله وليست الدولة المصرية فقط بأصعب أزمات والتي يمكن القول إنها “نكبات” فرضت الكثير من التحديات على حالة الزراعة والأمن الغذائي.
تمثلت الأزمة الأولى في الأزمة الاقتصادية العالمية والتي بدأت في 2008، والثانية ما يسمى بالربيع العربي في 2011 والذي أثر على قدرة الدولة على إنتاج الغذاء بشكل مستدام، الثالثة جائحة “كوفيد-19” والتي عطلت سلاسل الإمداد وقدرة الأراضي على الإنتاج وتبعها زيادة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة زيادة الطلب وقلة المعروض، الرابعة مع دخول العالم في محاولة التعافي من آثار “كوفيد-19″، ظهرت أزمتان، وهما ظهور آثار التغيرات المناخية، والصراعات بين الدول مثل الأزمة الروسية- الأوكرانية، مما أثر على تحقيق التنمية بشكل عام، والأمن الغذائي بشكل خاص، وإن كانت هذه التحديات ستجعل الدولة أكثر حرصًا على مواصلة جهودها لتحقيق الاستقرار الغذائي.
سعت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية لتأمين حق المواطن في الغذاء، فقد نص الدستور المصري في المادة رقم (79) بأن “لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال”
كذلك يعتبر “الحق في الغذاء”، أحد مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأنسان، سواء من خلال العمل على تعزيز توفير الاحتياطي من السلع الاستراتيجية، ودعم منظومة الخبز في كافة محافظات الجمهورية، وتبنى الخطط الملائمة لتحقيق أهداف نمو الإنتاج الزراعي المحلى، وتوفير المياه اللازمة لزيادة الرقعة الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية. وبناء على ما سبق، سوف نعرض من خلال هذا التقرير المؤشرات العامة لمنظومة الأمن الغذائي، وكذلك التحديات التي تواجه الدولة المصرية والسياسات الواجب اتباعها خلال السنوات القادمة.