في عالم تتسارع فيه أزمات المناخ وتتغير متطلبات سوق العمل، لم يعد التعليم مجرد نقل معلومات، بل أصبح أداة لبناء أجيال قادرة على تصميم مستقبل مستدام. تسعى مصر، من خلال رؤية 2030، إلى تحويل مناهجها من الحفظ إلى الابتكار، لكن التحديات لا تزال تحول دون تحقيق هذا الطموح. فوفقًا لتقرير البنك الدولي (2022)، تحتل مصر المرتبة 117 عالميًا في جودة التعليم، بينما تتقدم دول مثل فنلندا وسنغافورة بفضل مناهجها المرنة التي تدمج الاستدامة وتنمي المهارات الحياتية. فكيف يمكن لمصر أن تصنع مناهج تُعد طلابها لتحديات القرن الحادي والعشرين؟
أطلقت مصر نظام التعليم 2.0 عام 2018 باستثمارات تجاوزت مليار جنيه، وصلت إلى 8 ملايين طالب، مع التركيز على التعلم القائم على المشاريع وتعزيز الهوية الثقافية عبر تدريس الرموز الهيروغليفية. هذه الخطوات تهدف إلى أنسنة المناهج بجعل الطالب محور العملية التعليمية وتعزيز القيم الإنسانية مثل التعاون والمسؤولية. لكن الواقع يكشف فجوات: 34% من مدارس القرى تعاني من بنية تحتية متدهورة، و70% من المعلمين يفتقرون إلى المهارات الرقمية (CAPMAS,2021). أضف إلى ذلك أن البيروقراطية تعيق تطوير المناهج، كما أشار 90% من الخبراء (طه، 2023)، ومشاركة الطالبات في سوق العمل لا تتجاوز 22% على الرغم من أن 65% من خريجات الجامعات إناث (البنك الدولي، 2023). هذه التحديات تعيق إعداد طلاب لسوق عمل يتطلب مهارات تحليلية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
الحل يكمن في اعتماد الدراسات البينية كمدخل لأنسنة المناهج، خاصة في المرحلة الإعدادية (طلاب 12-15 سنة). تخيّل وحدة دراسية بعنوان “مصر المستدامة”، تجمع العلوم (دراسة تأثير التغير المناخي على دلتا النيل)، الرياضيات (تحليل استهلاك الطاقة المدرسي)، الجغرافيا (استكشاف الاقتصاد الدائري)، والفنون (تصميم حملات توعية بيئية). يصمم الطلاب مشروعًا عمليًا، مثل نظام طاقة شمسية لمدرستهم أو حديقة نباتية في الفناء، مما يعزز التفكير النقدي والقيم مثل المسؤولية البيئية. وحدة أخرى، “مصر الذكية”، تجمع الذكاء الاصطناعي (برمجة تطبيق بسيط)، اللغة العربية (كتابة قصص عن التكنولوجيا)، والفلسفة (مناقشة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي)، لتُعد الطلاب لاقتصاد المستقبل.
تجارب دولية وعربية تُلهمنا الحلول. فنلندا تستخدم التعلم القائم على الظواهر لدمج التخصصات، مما جعلها رائدة في الابتكار (Sahlberg, 2015). سنغافورة حولت الفصول إلى ورش عمل من خلال مبادرة “التعليم أقل، التعلم أكثر”، حيث يصمم الطلاب حلولًا بيئية، مما وضعها في صدارة اختبارات PISA (Ng, 2017). قطر قللت البيروقراطية بمنح المدارس استقلالية في تصميم المناهج (Carnegie Endowment, 2022)، بينما طورت الإمارات مناهج لغة عربية تُعزز التسامح والمهارات الحياتية (Abu Dhabi Arabic Language Centre, 2023). المغرب ركز على تمكين الطالبات في التعليم التقني، مما يُلهم مبادرات للطالبات المصريات (World Bank, 2023).
لتحقيق هذا التحول، نحتاج إلى:
• تدريب المعلمين: تدريب 50,000 معلم إعدادي بحلول 2030 على التدريس البيني، تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمهارات الناعمة مثل التعاطف، بالتعاون مع اليونسكو وشركات مصرية مثل “إي فاينانس”.
• تحسين البنية التحتية: توفير إنترنت فائق السرعة ومختبرات ذكية في جميع المدارس بحلول 2028، باستثمار 2.5 مليار جنيه، لدعم التعلم التفاعلي.
• تمكين الطالبات: إطلاق مبادرة “ريادة الطالبات” لتصميم مشاريع STEM، مثل تطبيقات لتتبع النفايات، مع تخصيص 40% من المنح التعليمية لهن بحلول 2028.
• تقليل البيروقراطية: إنشاء لجنة وطنية لتطوير مناهج مرنة، وإطلاق مبادرة “المدارس المرنة” في 100 مدرسة بحلول 2026، مستوحاة من قطر.
• شراكات مع القطاع الخاص: التعاون مع شركات مثل “السويدي إليكتريك” لتصميم مناهج تركز على الطاقة المتجددة، على غرار ألمانيا مع سيمنس (OECD, 2022).
• إصلاح التقييم: استبدال الامتحانات بتقييمات قائمة على المشاريع، مثل قياس أثر مشروع طلابي في تقليل النفايات البلاستيكية.
دور المجتمع حاسم. يمكن لأولياء الأمور تشجيع أبنائهم على المشاركة في نوادي ابتكار مدرسية، بينما يستطيع القطاع الخاص تمويل مختبرات STEM. المعلمون مدعوون لتجربة مشاريع بينية بسيطة، مثل تحويل درس التاريخ إلى بحث عن استدامة نهر النيل في العصور القديمة. مصر تمتلك شبابًا يشكلون 60% من سكانها وتاريخ ابتكار يمتد لـ7000 عام. لنحوّل فصولنا إلى مختبرات إبداع، ومناهجنا إلى مصانع لقادة المستقبل. ابدأ اليوم: مدرسة واحدة، فكرة واحدة، جيل يغير العالم!
