أثار قرار السعودية المفاجئ بتعيين سفير لها فى فلسطين وقنصل عام فى القدس العديد من التساؤلات حول أسباب هذا القرار ودلالاته وتوقيته، خصوصا أنه قوبل برفض إسرائيلي قاطع، وترحيب فلسطينى اعتبر القرار رسالة دعم واضحة للقضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطينى من أجل إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
جاء القرار خطوة هى الأولى من نوعها منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وبعد 11 عاما من اعتبار فلسطين ” دولة عضو مراقب” فى الأمم المتحدة عام 2012، ويقضى باعتماد السعودية لسفيرها فى الأردن نايف بن بندر السديرى سفيرا فوق العادة، مفوضا وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما فى القدس، وهو ما اعتبر ردا سياسيا ودبلوماسيا تاريخيا على ” شائعات التطبيع” بين الرياض وتل أبيب التى تروج لها إسرائيل وأمريكا.
وكانت صحيفة ” نيويورك تايمز” قد كشفت فى نهاية يوليو الماضى عما يعرف بـ ” صفقة بايدن ” حول التطبيع السعودى مع إسرائيل، تضمنت حلا للقضية الفلسطينية دون تفاصيل، بالإضافة إلى تزويد المملكة بطائرات مقاتلة من طراز 35ـ f وبرنامج نووى مدنى، وضمانات أمنية، وقالت الصحيفة إن الرياض وواشنطن أجريا محادثات مكثفة خلال الأشهر الأخيرة بشأن الشروط السعودية للتطبيع، فى ضوء رغبة الرئيس جو بايدن فى تقديم ” جائزة كبرى ” لإسرائيل تفوق ما قدمه سلفه دونالد ترامب.
وعندما سئل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عما إذا كان يفكر فى تقديم تنازلات للفلسطينيين كجزء من صفقة سعودية قال بعجرفة مقيتة لشبكة بلومبرج الأمريكية : نرفض بشكل واضح فكرة الدولة الفلسطينية، ونرفض التعهد بوقف الاستيطان، ولن يكون هناك تجميد للبناء الاستيطانى ولو لثانية واحدة، وواشنطن لن تقدم معروفا لنا بصفقتها مع السعودية، بل نحن الذين نقدم لها المعروف لأننا سنضمن تمريرها فى مجلس الشيوخ ( الأمريكى)، إذا لم نجد فيها ما يخل بضمانات التفوق الإسرائيلى فى الشرق الأوسط، وأضاف إن واشنطن هى التى تبذل مساعي هائلة للتوصل إلى هذه الصفقة، فهى مهمة بالنسبة لها فى المنافسة مع الصين والسيطرة على مناطق كثيرة، من بينها الشرق الأوسط.
وفى يونيو الماضى أوضحت السفارة السعودية فى واشنطن، ردا على شائعات التطبيع، أن اتفاقا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإسرائيل لن يكون ممكنا إلا إذا تم التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، ولدى إسرئيل الكثير من الإمكانات، والتطبيع يمكن أن يفعل العجائب من التجارة والتبادلات الثقافية، ولكن لكى يحدث ذلك، ولكى تتخذ المملكة هذه الخطوة، نحتاج إلى حل أساسى مع الفلسطينييين، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية تناقش مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية إجراءات تركز على تعزيز السلطة الفلسطينية ودعم اقتصادها، وتقليل الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلى والمستوطنين مع الفلسطينيين فى الضفة الغربية.
ثم جاء قرار تعيين السفير ليكون رسالة قوية من الرياض إلى تل أبيب بأن فلسطين كانت وستبقى القضية المركزية للعرب والمسلمين، وأن أى حل سياسى فى المنطقة لن يكون على حساب حقوق الفلسطينيين، وأن التطبيع دون إقامة الدولة الفلسطينية يعتبر تخليا عن مبادرة السلام العربية التى قدمتها السعودية إلى القمة العربية فى بيروت عام 2002، وبموجب هذه المبادرة ستدخل الدول العربية فى علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بشرط إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب إسرائيلى كامل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
والآن .. ما دلالات قرار السعودية المفاجئ بتعيين سفير لها فى فلسطين؟
ليس سرا أن الفلسطينيين يشعرون بالقلق من أن أى اتفاق بين دولة عربية وإسرائيل قد يضعف الدعم لقضيتهم فى العالم العربي، ويقوض آمالهم فى إقامة دولتهم المستقلة، وبالنظر إلى التصريحات الأمريكية المتتالية عن رغبة الرئيس بايدن العارمة فى عقد صفقة سعودية إسرائيلية، ولو بشكل مبدئي أو جزئى، فربما أرادت السعودية أن توجه رسالة استباقية إلى الشعب الفلسطينى بأنها لن تنسى قضيته، وقد رأت السلطة الفلسطينية أن توقيت القرار يعكس اهتمام السعودية الشقيقة بالقضية الفلسطينية .
واعتبر محللون سياسيون الخطوة السعودية مؤشرا على دور سعودى قادم فى فلسطين، ورفضا لمحاولات إسرائيل تجاهل القضية الفلسطينية وتهميشها فى أي اتفاق مستقبلى، وأن الرياض تعمل حاليا على تنفيذ سياسة دولية وإقليمية جديدة بإقامة علاقات مع الصين وروسيا بما يتناسب مع قوتها، وحرصها على التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وأنها ليست فى حاجة إلى اتفاقية مع إسرائيل لاتلبى شروطها، وتستطيع أن تنتظر ولن تخسر شيئا، وتعتبر نفسها الجانب الآمن بفضل قوتها وإمكاناتها الهائلة، ولديها وضع تفاوضى قوي للغاية، بالمقارنة مع الوضع التفاوضى لكل من تل أبيب وواشنطن، وهى الآن تعيد رسم تحالفاتها الاستراتيجية، وتسعى إلى توسيع دائرة خياراتها السياسية لتكون مناسبة لدورها الجديد.