لا أعرف الى متى سيظل ابناء العالم الاسلامي والعربي اسرى او بمعنى ادق ضحايا الشيخ جوجل واخوانه واخواته من الوسائل والتطبيقات الالكترونية؟!! وهي التطبيقات التى يتصارع العالم على امتلاكها ويعمل على تطويرها بكل السبل حتى تستمر لهم ميزة الهيمنة والسيطرة على الفضاء الالكتروني وتوجيه الاحداث او على الاقل احداث تاثير من نوع ما لتحقيق اغراض واهداف ليست بريئة اعلاميا او اقتصاديا او ثقافيا وسياسيا بالدرجة الاولى..
لا ابالغ اذا قلت ان محرك البحث جوجل وهو الاشهر والاقوى عالميا اصبح يهيمن على فكر وعقل الكثيرين من الباحثين عن المعرقة وخاصة الدينية الى جانب الاحداث والوقائع اليومية وانه الاقرب الى اصابع من يستخدمون النت والاسهل الى دخوله والمسيطر على العقول والافهام عند البحث عن معلومة او التاكد منها ومعرفة التاريخ والتفاصيل وما الى ذلك.. بل ان الكثيرين يلجأ اليه في الحصول على الفتاوى واصبح الاسرع والاسهل في ضخ مئات بل الاف الفتاوى عن الموضوع الواحد ولا يهم مكررة او غير مكررة او حتى متضاربة او متناقضة فهو لا يهتم في الاساس بصحة المعلومات او فلترة الصحيح من الغث الا فيما ندر ولاسباب في نفس يعقوب ..وبلغ من الشهرة الى الحد الذي اكسبه اللقب الشهير الشيخ جوجل ..
فضلا عن انه انشأ موقعا متخصصا اطلق عليه اسأل الشيخ جوجل وقد تعامل البعض معه احيانا من باب الفكاهة واللطافة والاستظراف او من باب الاختبار ومعرفة ما يجرى او من باب الحصول فعلا على اجابات مفتوحة الخيارات على كل الابواب من كل الملل والنحل وهو ما يفتح ابواب جهنم للعبث بالعقول عند اغراقها في سيول متلاطمة من الاقوال المتعارضة والمتضاربة للفرق والمذاهب واحيانا العقائد الاخرى.
قد يبادر البعض الى القول وما العيب في ذلك ؟ بل على العكس انه يقدم خدمة سهلة وسريعة للمتعجلين وغيرهم من هواة ثقافة الساندوتشات السريعة حتى في وسائل الاعلام المختلفة؟
والحقيقة ان مثل هذه الاقوال قد يكون لها وجاهتها ويمكن استحسانها ايضا لو كانت البيئة طبيعية او بريئة او تتبع منهجا علميا خالصا بعيدا عن اية الاعيب او اهداف او عمليات استغلال او تسخير وتوظيف لتلك الوسائل في تحقيق اهداف واغراض مشبوهة بل ومعلومة في مواقفها من الاسلام كدين وعقيدة ومن المسلمين كاتباع اخر دين سماوي .. وهذه مسائل لا تحتاج الى اقامة حجة او تقديم ادلة وبراهين..
يعزز من تلك المصائب للاسف الشديد الضعف الشديد للوجود العربي والاسلامي على النت والفضاء الالكتروني بصفة عامة فهو بحسب تقديرات للامم المتحدة لم يتجاوز 3.5% وهو ما لا يتناسب وحجم ودور الثقافة الاسلامية ولا الوجود الاسلامي الديموجرافي على الخريطة العالمية ولا حجم القضايا العربية والاسلامية عى الساحة .. وهذه جريمة كبرى يرتكبها المسلمون في حق انفسهم وثقافتهم ودينهم..
حتى الوجود العربي والاسلامي في اغلبه اكتفى بوضع النصوص والاصول المختلفة لكتب التراث والتفاسير والسيرة النبوية والادب ودواوين الشعر وغيرها من مواد دون تقديم خدمة حقيقية لها ومعها للقارئ في القرن الواحد والعشرين واصحاب الثقافات الضحلة والهشة والمستعجلين والمشككين وغيرهم وهو الامر الذي سهل مهمة المغرضين والمتطاولين واصحاب مدارس ومناهج الهدم والتخلص من التراث ليس فقط الانتاج الادبي بل بلغ التطاول الى محاولات للعبث في القران والدعوة الى تغيير بعض الايات بحسب زعمهم حتى تناسب هواهم ولا تقف حجر عثرة امام طموحاتهم وحملاتهم في النيل من الاسلام..
نقطة اخرى بالغة الاهمية ان المسلمين والعرب لم يحسنوا حتى الان التعامل مع الفضاء الالكتروني ولا ادواته ولم ينتبهوا الى خطورته الا مؤخرا .. الا بعد ان وقعت الفاس في الراس كما يقولون .. فبدأت صحوة او يقظة على استحياء بمواقع فردية او مؤسسات صغرى اما العمل المؤسسي الجاد فلم يظهر بوضوح الا قليلا وليس بالصورة التى تؤهله للمنافسة مع هوامير التكنولوجيا على الفضاء الالكتروني والتى لحق بها مؤخرا غول الذكاء الاصطناعي..
هنا يطرح البعض اسئلة مهمة في مقدمتها الم يكن العرب والمسلمون على ادراك بما يحدث وخطورته عليهم وتاثيره على الشباب وحركة التدين والمتدينين والهوية الاسلامية وغير ذلك ؟
الجواب : لقد كانوا مدركين ومتنبهين الى كل ذلك وبالفعل بدأوا يتخذون خطوات في حينها ولكن كالعادة ومع المشروعات المهمة قوميا ودينيا سرعان ما تتعطل او تتوقف او يتم وأدها في المهد ويصعب معها عمليات الاحياء.. او بمعنى اخر العرب والمسلمون من أصحاب النفس القصر او قل ان شئت المقطوع في الموضوعات الحيوية والاستراتيجية..
وكم من مرة ظهرت محاولات لتقديم بدائل اسلامية على الساحة سواء في التطبيقات او البرامج ولكنها كانت تمشى الهويني وسرعان ما تتوقف .. على سبيل امثال محاولات لتقديم محرك بحث اسلامي يكون بديلا او منافسا لجوجل ومحركات البحث الاخرى ولكنها كانت ضعيفة وغير قادرة على الاستمرار ..وذلك لانها اما انشئت على عجل بدون دراسات كافية او دون اعداد كوادر علمية او حتى دون توفير تمويل كاف لمشروع مهم وحساس ..او لان بعضها حاول تقليد ما هو موجود على الساحة واعتمد على تقديم ترجمة عربية لما يجرى فقط او انه اشترى بعض البرامج من تلك الشركات المهيمنة تجاريا على محركات البحث.. وهناك نماذج على ذلك في جامعات ومؤسسات خليجية كانت مؤمنة بفكرة البديل العربي والاسلامي ومتحمسة لها.. وبعضها اقتصر على محركات خاصة للبحوث العلمية فقط ؟؟
ويقال ان شركة “أين” اللبنانية اعلنت عن إطلاق أول محرك بحث باللغة العربية للإنترنت قبل عام من إطلاق شركة جوجل لمحرك بحثها الذي لم يدعم العربية في بداياته، ولم يكن في ذلك الحين أي محرك بحث عالمي يدعم اللغة العربية، ولو بشكل سطحي سوى محرك البحث ألتافيستا. وفي عام 2012 أوقفت شركة “أين” عمل محرك البحث وغيرت اتجاه عملها.
وحاولت عدة شركات عربية أخرى تطوير محرك بحث عربي للإنترنت. ففي عام 2006 أطلقت شركة مكتوب الأردنية محرك البحث “عربي”، ثم أغلقته مباشرة بعد بيع مكتوب إلى ياهو عام 2009. وفي عام 2007 أطلقت شركة أوراسكم تيليكوم المصرية محرك البحث “أنكش”، لكنها أوقفت عمله لأسباب تجارية عام 2010.
ومؤخرا اعلن عن محرك بحث اسمه حلال جوجلين اطلقته شركة هولندية قيل انه يناسب الشعب الاسلامي العربي.. ولكنه مصاب بالداء نفسه الذي ضرب التجارب السابقة عليه اذ يعتمد في جلب جميع بحوثه من محركي البحث جوجل و بينج .. ثم يقوم بعملية تطهير ان صح التعبير واخلاء جميع البحوث من الصور والفيديوهات الغربية الشاذة التي لاتناسب الثقافة الاسلامية !
على صعيد اخر ظهرت في بعض الاوقات محاولات لم يكتب لها النجاح لتقديم بدائل اسلامية لمواقع التواصل الاجتماعي العالمية لتجنب ما تحتويه من مخالفات شرعية .. على سبيل المثال حاول مجموعة من رجال اعمال مسلمون تصميم موقع للتواصل بعنوان ” عالم سلام ” ليكون بمثابة فيس بوك اسلامي يراعي المعايير الاخلاقية ويقدم محتوى نظيفا.. ولكن المحاولة وكثير غيرها لم تكلل بالنجاح ..
سؤال مهم يطرحه البعض وهل المسلمون وحدهم هم من يشتكون من محركات البحث الغربية وخطورتها عليهم والمشاركة في المؤامرات ضدهم والتأثير عليهم ايضا ؟!
والجواب المؤكد نعم انهم يشتكون مر الشكوى ايضا واكثر من المسلمين حتى انهم اتخذوا خطوات جادة وصارمة ضد تلك المحركات خاصة جوجل ومن وراءه من داعمين ومحركين فنيا واقتصاديا .. وهذا ما يميز هؤلاء عن العرب والمسلمين الذين يجأرون بالشكوى ولا يتوقفون عن الصراخ والعويل ولا يتحركون رغم الظلم الواقع عليهم من تشويه وتحريف وعدوان على مقدساتهم ومناصرة لاعدائهم والدفاع عن جلاديهم ومؤازرتهم في كل المحافل بالباطل والباطل المفضوح بلا خجل ولا حياء وكم حذفت من فيديوهات واعمال تسجيلية لادانة جرائم ضد الانسانية وكذلك صور ومقاطع فيديو وغيرها من مقالات تم حجبها او السماح باعمال اخرى منافية ومناهضة للحق العربي والاسلامي بدعاوى زائفة برايات ملوثة وكلمات حق يراد بها باطل كالحرية وغيرها !!
ولعل اشهر نماذج للرد على جوجل وهيمنته ما فعلته كل من الصين وروسيا وكوريا الجنوبية .. اذ انشأت كل منها محرك بحث خاص بها لخدمة قضاياها الوطنية وللحماية من اضرار جوجل كما اعلنوا صراحة..
فالصين انشأت عام 2000 محرك البحث “بيدو” بعد ان اتهمت شركة جوجل “بتسييس القضايا التجارية” عبر تعليق موقعها الإلكتروني الصيني الرئيسي وتحويله إلى موقع إلكتروني غير مراقب ونقله إلى هونج كونج.
يعتبر بيدو الأكثر شهرة في الصين وياتي في التصنيف الرابع عالمياً من حيث قوة نتائج البحث التي يوفرها للمستخدمين حيث يوفر مليارات من طلبات البحث الشهرية.ولكن العيب الوحيد في أنه يتوفر باللغة الصينية فقط ..
تبعتها روسيا التى كانت تراقب الصراع الصيني الامريكي عبر جوجل واسست محركا خاصا بها اسمه “ياندكس الروسي” وقالت انه يهدف إلى تلبية “توجهات الدولة” مثل “تسهيل الحصول على معلومات آمنة”، و”تصفية مواقع الإنترنت التي تضم محتويات محظورة”.
كوريا الجنوبية انشات محركين للبحث الاول “نيفر” ويسيطر على 77% من السوق الكورية يليه المحرك الآخر “داوم” يسيطر على 20% من السوق أما حصة جوجل في كوريا الجنوبية فهي هامشية جدا.
لكل ماسبق أرى ان هناك اهمية كبرى وامالا اكبر للمؤتمر القادم للمجلس الاعلى للشئون الاسلامية الذي يعقد خلال ايام بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف واختار قضية بالغة الاهمية عنوانا له : الفضاء الالكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة .. المؤتمر كما قال فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الاوقاف ورئس المجلس سيشارك فيه نخبة من كبار المسلمين من بلاد العالم لمناقشة العديد من المحاور المهمة للقضية وقدموا اكثر من خمسين بحثا علميا تلقي الضوء على الابعاد المهمة ومنها : الفضاء الالكتروني ضرورة عصر والوسائل غير التقليدية واثرها في تناول الخطال الديني والفتوى الالكترونية والتحفيظ والتدريس عن بعد والاستخدام غير الرشيد للوسائل العصرية في المجال الدعوي وتصحيح المسار ..
انا لمنتظرون ..والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com