منذ آلاف السنين، تم تطوير الأدوية من مصادر طبيعية، وكان معظمها من النباتات. لكن في العقود الأخيرة، نظر “صيادو العقاقير” إلى التنوع الهائل للكائنات البحرية كمصادر محتملة لأدوية جديدة.
وقد أمكن إنتاج أدوية وعقاقير من الأعشاب البحرية، كما تم استخدامها كمكملات غذائية مفيدة صحيًا. وحظيت أنواع الإسفنج البحري باهتمام خاص. إنها تنتج مركبات سامة لردع الحيوانات المفترسة، أو للتواصل مع جيرانها، أو منع نمو الطحالب والبكتيريا عليها.
الإسفنج البحري يضم أكثر من 9000 نوع. وهي متنوعة في الأشكال والأحجام والألوان. وكأكثر الحيوانات بدائية، يفتقر الإسفنج إلى الأعضاء والأنسجة المعقدة. ولا يتمتع بميزات جسدية وميكانيكية تمكنه من الفرارأو مواجهة أعدائه، لكنه يدافع عن نفسه بإنتاج مركبات كيميائية. ووجد الباحثون أن بعض هذه المركبات لها خصائص قيِّمة ضد السرطان والالتهابات الميكروبية.
بدأ الاهتمام بهذه الخصائص في أوائل خمسينيات القرن الماضي بعد اكتشاف منتجين طبيعيين جديدين لأنواع الإسفنج الكاريبي. وتمت الموافقة على استخدامهما كأدوية ضد سرطان الدم وفيروس نقص المناعة البشرية.
أثارت مثل هذه الاكتشافات اهتمامًا كبيرًا بالتطبيقات العلاجية للمواد الكيميائية المشتقة من الإسفنج.
حصلت ريما بيسو على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية البحرية التطبيقية من جامعة موريشيوس. وقامت مع فريق من الباحثين بدراسة قدرة الإسفنج على مقاومة السرطان
نشرو الفريق بحثًا حديثًا يوضح، لأول مرة، أن المواد الكيميائية، التي ينتجها نوع من الإسفنج، يمكنها قتل خلايا سرطان الكبد بشكل انتقائي، مع الحد الأدنى من الضرر للخلايا الطبيعية. واكتشفوا أن هذا النوع أقل سمية بالنسبة للخلايا السليمة.
ويمكن أن يستغرق الأمر حوالي 15 إلى 20 عامًا من اكتشاف المركبات النشطة لاستخدامها كأدوية للبشر.
كان من المعروف أن أنواع “نيوبتروسيا” من الإسفنج مصدر غني للمركبات النشطة بيولوجيًا، لكن معرفة كيفية قتلها للخلايا السرطانية كانت محدودة.
قام الباحثون بتقييم تأثير مستخلصات الإسفنج على الخلايا غير السرطانية لمعرفة مدى سميتها للخلايا الطبيعية. وهذا مهم لأن بعض علاجات السرطان تتلف الحمض النووي دون تمييز، فتقتل الخلايا الطبيعية والسرطانية. وهناك آثار جانبية ضارة لهذه العلاجات، ومنها الغثيان وفقر الدم والتعب وسقوط الشعر والالتهابات.
وجد العلماء أن مستخلصًا واحدًا يمكنه قتل خلايا سرطان الكبد بشكل انتقائي بجرعات منخفضة جدًا بينما يُظهر سمية منخفضة جدًا تجاه الخلايا الطبيعية.
وللتحقق من صحة الاستخدام المحتمل للمستخلص، سيقوم العلماء بعزل وتحديد المنتجات الطبيعية المضادة للسرطان باستخدام تقنيات التحليل اللوني وقياس الطيف الكتلي.
وهذا يمهد الطريق لقييم استخدامها لعلاج الحيوانات للتحقق من فعاليتها وسميتها. وإذا نجحت هذه الخطوة، فسيتم إجراء الاختبارات على البشر في التجارب السريرية.
ينتشر الإسفنج في المحيط الهندي والمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. ولكن انخفضت كثافته في موريشيوس بسبب الارتفاع المستمر في درجات حرارة المحيط.