أصبحت غزة اليوم تعاني من كارثة إنسانية كبرى، لكنها لا تصنف من الكوارث الطبيعية أو البيئية، بل هي كارثة إنسانية بفعل الآلة الحربية الإسرائيلية المتواصلة.
للمدنيين الحق في تلقي المساعدات الإنسانية سواء في وقت النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية وذلك من خلال أحكام وشروط معينة ،
إذ لابد من توافر شروط معينة لكي يـصار إلـى تقـديم المساعدة الإنسانية إلى المدنيين ، وتتمثل تلك الشروط بوقوع نزاع مسلح دولي أو داخلـي ، ومعانـاة السكان المدنيين من نقص الاحتياجات الإنسانية ،
وكذلك عـدم قـدرة الدولـة المعنيـة علـى توفير الاحتياجات الإنسانية وأخيراً ضرورة موافقة الدولة المعنية على تقديم تلك المساعدات
أنه من المنطلق الإنساني، فدعمت مصر جهود إعادة الإعمار بمنحة قدرها 500 مليون دولار، والتي أسهمت في فك حصار الكهرباء والطاقة عن القطاع، بجانب استقبال المرضى والمصابين عبر معبر رفح، وتوجيه جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية وأسطول المساعدات الإنسانية.
يمكن القول بأن النزاع المسلح يعد واحدا” من الأسباب الرئيسية المسببة للكوارث بالنظر إلـى ما تحدثه من أضرار بشرية وفي الممتلكات والبيئة ، وذلك بسبب ما يستخدم أطراف النزاع فيهـا مـن أدوات القتل والتدمير واسع النطاق وما قد يقترن بها أو ينجم عنها من أضرار جـسيمة بيئيـة جويـة وبحرية وبرية ، ولكون الحرب ذات طبيعة استثنائية فان الدمار والخراب الذي يقترن بها ويتخلف عنها يجعلها في مقدمة أسباب الكوارث خاصة بالنسبة للمـدنيين والأعيان المدنيـة والمرافـق الحياتيـة للإنسان
ونلاحظ هنا ومع تزايد النزاعات المسلحة وخصوصاً الداخلية منها المسببة للكـوارث وزيـادة المعاناة البشرية بسبب نقص الاحتياجات الإنسانية ، ينشأ اهتمام دولـي بـضرورة مـساعدة الدولـة المتضررة في التحدي لهذه الكارثة عندما لا تستطيع تلك الدولة مواجهتها بالاعتمـاد علـى مواردهـا وحدها .
عرف معهد القانون الدولي المساعدات الإنسانية بأنها “جميع الأفعال والنـشاطات والمـوارد البشرية والمادية اللازمة لتقديم السلع والخدمات ذات الطابع الإنساني حصراً والضرورية لبقاء ضحايا الكوارث وسد احتياجاتهم الإنسانية”
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التعريف للمساعدات الإنسانية قـد احتواى على بعض المصطلحات مثل (السلع، الخدمات ، إضافة إلى مفهوم الكارثة) وقد أوضـح معهـد (
) القانون الدولي ومن خلال اللجنة السادسة معنى لكل هذه المصطلحات . وبحسب ما جاء في التعريف أعلاه فإنه يقصد “بالسلع” المواد الغذائية ومياه الشرب والإمدادات الطبية والمعدات والوسائل اللازمة لتوفير الإيواء والأغطية والفراش والسيارات
وجميع السلع التـي لا غنى عنها من اجل بقاء ضحايا الكوارث وسد احتياجاتهم الأساسية ولا يشمل هذا المصطلح الأسلحة والذخائر أو أية معدات عسكرية ، أما “الخدمات” فيقصد بها وسائل النقل وخدمات البحث عن المفقودين والخدمات الطبية والمساعدات على الأصعدة الدينية والروحية وجميع الخدمات الأخرى الضرورية لبقاء ضحايا الكوارث وسد احتياجاتهم الإنسانية
. أما مصطلح “الكارثة” فيقصد به ووفقاً لمعهد القانون الدولي بأنها الأحداث المفجعة التي تعرض للخطر حياة وسلامة السكان المدنيين الصحية والبدنية وحقهم في عدم التعرض للمعاملـة القاسـية أو اللاإنسانية أو المهينة أو المساس بالحقوق الإنسانية الأساسية أو الاحتياجات الأساسية لهـم ، سـواء كانت لأسباب طبيعية (كالزلازل والبراكين والعواصف الشديدة والأمطار الجارفة والفيضانات والانهيارات الأرضية والجفاف والحرائق والمجاعات وانتشار الأوبئة) أو الكوارث ذات المنشأ التكنلوجي والتي من صنع الأنسان (الكوارث كيميائية المصدر أو الانفجارات النووية) أو الناتجة عن النزاعات المـسلحة أو العنف (كالنزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية والاضطرابات الداخلية أو العنف والأعمال الإرهابية) . ومن الجدير بالذكر أن مصطلح الكارثة تناولته العديد من الاتفاقيات الدولية وقد تعددت تعاريفها ، حيث عرفتها اتفاقية تامبير لعام ١٩٩٨ بأنها “حدوث خلل خطير في حياة مجتمع مـا ،
ممـا يـشكل تهديداً واسع النطاق لحياة البشر أو صحتهم أو ممتلكاتهم أو البيئة ، سواء كان ذلك الخلل ناجماً عـن حادث أو سبب طبيعي أو نشاط بشري وسواء حدث بصورة مفاجئة أو تطور نتيجـة لعمليـات معقـدة طويلة الأجل” . كما وعرفتها الاتفاقية الإطارية للمساعدة في مجال الحماية المدنية للعام ٢٠٠٠ بأنها “كل وضع استثنائي يمكن أن يلحق ضرر بالحياة أو بالأملاك أو البيئة”معاناة السكان المدنيين من نقص الاحتياجات الإنسانية
كثيراً ما يؤدي اندلاع النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية في منطقة معينة إلى نقـص أو نفاذ المواد الغذائية والطبية والمواد الأخرى اللازمة لإدامة حياة المدنيين ، وغالباً ما يكون السبب فـي انقطاع وصول هذه المواد إلى السكان المدنيين في هذه المناطق عائداً إلى مقتضيات الحرب والعمليـات العسكرية أو بسبب الدمار الذي لحق بطرق المواصلات المؤدية إلى السكان المدنيين مما يستدعي جميع الأطراف سواء كانت المتحاربة أو الدول الأخرى أو المنظمات الإنسانية المعنية وهيئات الأمم المتحـدة ووكالاتها المتخصصة أن تأخذ دورها في إيصال تلك المساعدات إلى محتاجيها ويشير البروتوكول الإضافي الأول لعام ١٩٧٧ إلى حق السكان المـدنيين المحتـاجين بتلقي المساعدات الإنسانية في حال نقصها
. أما البروتوكول الإضافي الثاني لعام ١٩٧٧ فإنه ينص على أن “تبذل أعمال الغوث ذات الطابع الإنساني والحيادي البحت وغير القائمة على أي تمييز مجحف لصالح السكان المدنيين بموافقة الطرف السامي المتعاقد المعني وذلك حين يعاني السكان المدنيون من الحرمان الشديد بـسبب نقـص المـدد لجوهري لبقائهم كالأغذية والمواد الطبية” . وهنا نرى بأن الغاية الأساسية لتقديم المساعدات الإنسانية تتمثل أساساً في النقص الحاصل في الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين أو انعدامها من مواد غذائية أو طبية أو غيرها ، ولـذا فـيمكن اعتبار هذا الشرط من أهم الشروط الواجب توافرها لتقديم المساعدة من قبل الدول والمنظمات الإنسانية وبانعدامه يضعف المبرر في تقديم تلك المساعدات .
ويثار لدينا تساؤل آخر على أهمية رضا الدولة الموجهة اليها المساعدات الإنسانية ، بمعنـى هل يمكن تقديم المساعدات الإنسانية بدون موافقة الدولة المعنية.
وللإجابة نشير إلى تباين الآراء في هذا الشأن وعلى اتجاهين :
الاتجاه الأول : لا يرهن تقديم المساعدات الإنسانية بموافقة الدولة التي تكون بحاجة إليها وذلـك فـي حالة إذا كانت هذه الدولة طرفاً في اتفاقيـات جنيـف الأربـع لعـام ١٩٤٩ والبروتوكـولين الإضافيين لعام ١٩٧٧ لأن بانضمامها إلى هذه الاتفاقيات تكون قد التزمت بما ورد فيهـا مـن أحكام ، كما يجب أن تعطى الأولوية كما أشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة (كوفي عنان) خلال الدورة (٥٤) للجمعية العامة للاعتبارات الإنسانية مقارنة بالاعتبارات الأخرى ,بمعنى ان تؤخذ الاعتبارات الإنسانية القائمة على تلبية الاحتياجات الإنسانية بنظر الاعتبار أكثر مـن أي أمر أخر.
الاتجاه الثاني : يعتقد أن حرص المجتمع الدولي على عدم المساس بسيادة الدولة يتطلب موافقة تلـك
الدولة قبل استفادتها من أي مساعدة ، إلا أنه يميز بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا كانت الجهة التي تتقدم بالمساعدة منظمة غير حكومية مثل اللجنة الدولية للـصليب الأحمر فإن تقديمها لها لا يتوقف على رضا الدولة أو الدول الموجهـة إليهـا لأن نـشاط هـذه المنظمات يتميز بالحياد ولا يخفي أية مقاصد سياسية حيث يمكن لها أن تبادر بالتـدخل لتقـديم المساعدة الإنسانية في كافة المنازعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية .
الحالة الثانية : أما إذا كانت الجهة التي تتقدم بالمساعدة دولة ، فمن الضروري أن نحرص على ألا يتم المساس بسيادة الدول التي تكون موضوعاً لها وهو ما يمكن تفاديه بعدم المبادرة بهـا إلا بعـد الموافقة عليها من قبل الدولة الموجهة اليها، لأن احتمال إخفاء الدولة المانحة للمساعدة لأهداف سياسية يضل قائم ونحن نرى بأن موافقة الدولة المعنية بالمساعدة يعتبـر شـرطاً أساسـياً وضـرورياً لتقـديم المساعدة الإنسانية كونه يعبر عن احترام لسيادة تلك الدولة علـى ان لا يكـون رفـض تلـك الدولـة للمساعدة المعروضة رفضاً تعسفياً غير مبرر .
فقًا للقانون الدولي الإنساني، وعلى لسان المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن فرض الحصار والذي من شأنه تهديد حياة المدنيين بحرمانهم من السلع والخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة هو أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، وما لم يكن هناك ضرورة عسكرية تبرره، فإنه يصنف أحد مظاهر العقاب الجماعي والذي تجرمه اتفاقية جنيف للقانون الدولي في البروتوكول الثالث في المادة 87 والبروتوكول الرابع في المادة 33 وملحقها في المادة 50، والقاعدة رقم 103 من القانون الدولي الإنساني العرفي، كما أنها أشارت إلى أن فرض قيود على حركة الأفراد والبضائع الذي من شأنه تهديد حياة المدنيين هو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
وبناء عليه، يعتبر الاستهداف الأخير لمعبر رفح انتهاكًا واضح للقانون الدولي، وما ترتب عليه من تراجع للشاحنات المصرية عن الوصول إلى غزة نتيجة الخطر الذي يعترضها في حال محاولة عبور المعبر.
الحصار وممارسات التجويع من الممارسات المشروعة في حالات النزاعات المسلحة وذلك تجاه العسكريين فقط، ولكن القانون الدولي الإنساني يمنع ممارسات التجويع ضد المدنيين. وعلى الرغم من أهمية تضمين هذا المبدأ في معاهدة جنيف، إلا أن صياغة المبدأ كانت غامضة وهو ما سمح للأطراف التي تفرض الحصار باستغلال هذه الثغرة، لأن النص القانوني يمنع التجويع ولكنه لا يحظر الحصار نفسه، كما أنه لا يضم أيضاً التجويع كنتيجة مستقبلية –وليس فعلاً متعمداً– خاصة وأنه يتزامن مع قصف للمناطق المحاصرة من أسواق تجارية وبنية تحتية ضرورية لاستمرار الحياة وقطع المياه.
وقد فتح ذلك الباب لتفسيرات قانونية مفادها أن المقصود هو السماح لبعثات الإغاثة الانسانية بالدخول بدون إدانة قانونية لفعل الحصار ذاته بما يسمح باتخاذ أى إجراء عسكري دولي لكسره، خاصة وأن أي دولة معتدية تمارس الحصار دائماً ما تتظاهر بأنها تتعرض لتهديد عسكري وأن هدفها ليس تجويع المدنيين.