كان بيان الأزهر الشريف واضحا جليا فى إشادته بالمقاومة الفلسطينية الباسلة، التى تدافع عن الشعب الفلسطينى وحريته وأرضه ومقدساته، مؤكدا تأييد الأزهر لرجال المقاومة (أحرار فلسطين الذين أحيوا ثقتنا فى أنفسنا، وردوا إلينا شعورنا المفقود منذ زمن طويل)، وطالب البيان العرب والمسلمين بأن يستشعروا واجبهم ومسئولياتهم الدينية والتاريخية، ويسارعوا إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لإخوانهم، ويتخذوا موقفا جادا وموحدا فى مواجهة الدعم الغربى للعدوان الصهيونى اللا إنسانى، مشيرا إلى أن (ما يمارسه الكيان الصهيونى من قتل وتخريب وإرهاب هو وصمة عار يسطرها التاريخ بعبارات الخزى والعار على جبين الصهاينة وداعميهم)، وطالب البيان بإجراء تحقيق دولى فى جرائم الحرب التى ارتكبها الكيان الصهيونى، ولا يزال يرتكبها، فى حق الأطفال والنساء والشيوخ فى قطاع غزة المحاصرة، وأدان الإعلام الغربى الذى اعتادعلى قلب الحقائق وتضليل الشعوب بالأكاذيب.
ولعل أهم ما فى هذا البيان أنه يرد الاعتبار للمقاومة الفلسطينية الباسلة فى مواجهة الأصوات النشاز، التى انطلقت من بيننا تسفه المقاومة، وتنال من شرفها، وتردد ما يقوله الإعلام الغربى المعادى، فتزعم أن إسرائيل تدافع عن نفسها، وتتهم المقاومة بالإرهاب، وأنها التى بدأت الحرب لصالح إيران، وهي بذلك تستخف بالشعب الفلسطينى، صاحب الحق وصاحب الأرض، وتنظر إليه على أنه شعب قاصر، لايستطيع الاعتماد على نفسه وقدراته الذاتية، مثل كل الشعوب الحية، وغير قادر على المقاومة والصمود إلا إذا كان عميلا لدولة أخرى، كما أنها تعطى لإيران مكانة ليست لها فى هذا الصراع الممتد، الذى بدأ قبل مجيء النظام الحالى فى طهران، وسيستمر حتى يصل الفلسطينيون إلى هدفهم بإذن الله.
إن محاولات تشويه المقاومة الفلسطينية ليست جديدة علينا، حدثت من قبل كثيرا، وستحدث غدا، وهى عادة تبدأ من العدو والأبواق الإعلامية والأجهزة الاستخباراتية التابعة له، والعاملة لحسابه، لكنها تكون أكثر إيلاما عندما تأتى من أبناء جلدتنا، وفى أشد لحظات المواجهة والحرب، حين يكون مطلوبا منا جميعا أن ننصر إخواننا مهما كانت الخلافات الأيديولوجية والفكرية معهم، فالأمر أكبر من أي اختلاف داخلى، والهدف أسمى من أية محاولة رخيصة للانتقام وتصفية الحسابات، ومن ثم يصبح الحديث وسط المعركة عن فتح وحماس وسنة وشيعة ومسيحى ومسلم خيانة مفضوحة.
إن مقاومة الاحتلال ليست إرهابا، بل حق مشروع كفلته الشرائع الدينية والمواثيق الدولية، ولسنا نعرف شعبا احتلت أرضه ودنست مقدساته دون أن يقاوم حسب قدراته وإمكاناته، حتى ينال حريته، ولسنا نعرف سلطة احتلال تنازلت طواعية، وعن طيب خاطر، عن الأرض التى اغتصبتها، وكل الأمم والشعوب ذاقت ويلات الاحتلال، ودفعت أثمانا باهظة فى سبيل حريتها واستقلالها، هكذا علمنا التاريخ، والشعب الفلسطينى ليس استثناء فى ذلك، ولن يجبن عن تحرير أرضه.
وفى شريعة الإسلام ترتبط المقاومة بالحق لا بالقوة، وما دمت صاحب حق فالمقاومة فرض عين عليك إذا اعتدى أحد على حقك، وما دون ذلك جبن وخسة ونذالة، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ” يارسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالى ؟ قال : لا تعطه مالك، قال : أرأيت إن قاتلنى ؟ قال : قاتله، قال : أرأيت إن قتلنى ؟ قال : فأنت شهيد، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو فى النار “.
بهذا المعنى فإن المقاومة تدافع عن شرف فلسطين، وشرف الأمة بأسرها، لم تحتل أرضا لأحد، ولم تسرق وطنا وتهدم منازل أصحابه، ولم تحرق أرضا وتدنس مقدسات، ولم تعلن فى كل يوم مصادرة وضم المزيد من الأراضى، وإنما هي صامدة مع أهل غزة المحاصرين بالأسوار والمستوطنات والقواعد العسكرية، الممنوعين من الطعام والشراب والعلاج وأبسط الاحتياجات الإنسانية، ولا تثريب عليها إن انتفضت تضرب العدو وتؤلمه، فالله تعالى يقول : ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير”.
يكفى المقاومة شرفا أنها أحيت القضية الفلسطينية، ودفعت بها إلى صدارة الاهتمام الدولى، بعد أن ظن الصهاينة أنهم نجحوا فى وأدها إلى الأبد، وراحوا يتصرفون على أن فلسطين قد شطبت من التاريخ والجغرافيا، وتبعهم فى ذلك فريق منا، ضللهم الإعلام الكاذب، وأنساهم الحقيقة التى يعرفها القاصى والدانى، فإسرائيل ليست دولة عادية، وإنما هي مشروع استعماري غربى، أوروبي أمريكي، مصنوع ومدعوم ليبتلع وطننا العربى، ويسيطر على مقدراته، تحت علم (إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات، وإذا كانت فلسطين فى قلب الصراع اليوم فغدا سيكون إخوة فلسطين وجيرانها فى أتون الحرب، سيأتى دورهم فرادى، كل مرحلة لها ضحيتها، حتى تقضى على الجميع، وإذا لم نستيقظ وننقذ الأقصى اليوم فلن نستطيع أن ندافع عن مكة والمدينة غدا.
لقد عشنا حالة الركود والاستجداء التى كانت عليها القضية الفلسطينية قبل (طوفان الأقصى)، ورأينا كيف تغيرت الأمور بعد ذلك، وانطلق اللسان العربي يتحدث بعزة وكرامة، مستمدا قوته من إنجاز المقاومة، ومن الجماهير التى خرجت تعبر عن وعيها وتأييدها ودعمها وتشجيعها للمقاومة، ورفضها القاطع للمشروع الصهيونى ومن يقف معه، أو يقبل به ويستسلم له.
إن خذلان المقاومة، وتثبيط همة رجالها، لايصب إلا فى مصلحة العدو، أما السلام الذى يتحدث عنه الساسة دون أن يحققوا شيئا منه فالمقاومة هى وحدها التى ستجعله قريب المنال، حين يكون سلاح المقاوم سندا للمفاوض، وإذا تبرأ المفاوض من السلاح فلن يحصل على شيء، والسلاح إذا لم يسانده ويوجهه عقل سياسي مدبر، قادر على المناورة بالكر والفر، فلن يحقق شيئا، وسيكون مجرد ضربات طائشة لاهدف لها، ولا رجاء من ورائها.
السلام لن يأتى به إلا مقاوم شجاع ومفاوض ماهر.