استوقفتنى سيدة أمريكية بيضاء فى قلب شارع برودواى فى نيوجيرسي.أوقفت سيارتها فجأة عندما لمحتنى رغم خطورة ذلك ولولا أن الناس فى امريكا تحترم قاعدة ترك مسافة كافية بينك وبين السيارة التى أمامك لحدث ما لا يحمد عقباه.وفجأة فتحت السيدة الزجاج الملاصق لها وقالت لي: من فضلك لا تنسى غزة فى دعائك،ولم تنتظر اجابة وأكملت طريقها مسرعة!كانت هذه واحدة من الأحداث الجديدة التى يستطيع أى زائر لأمريكا أن يرصدها الآن.ليس بالضرورة فى الولايات المشهورة بوجود جاليات عربية كثيرة على أرضها ولكن فى غالبية الولايات.
تستطيع أن تلمح أعلام فلسطين التى يتم رفعها على البيوت،كعلامة جديدة على التغير الذى يشهده الشارع الأمريكى فى نظرته للقضية الفلسطينية. مظاهرات حاشدة فى كل مكان لدعم الفلسطينيين، الأصوات تعلو كل يوم مطالبة الإدارة بالعدل فى التعامل مع الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، كل هذا مجرد عينة تعكس حال الشارع الأمريكى الذى ولأول مرة بدأ يفهم حقيقة الصراع وتاريخه فاندفع الآلاف من الأمريكيين ليشاركوا فى المظاهرات العديدة التى شهدتها العديد من المدن والميادين الرئيسية وأخيرا الجامعات.
دعانى صديق فلسطينى يقيم فى بوسطن منذ أيام لمظاهرة حاشدة شهدتها جامعة هارفارد الشهيرة بمدينة بوسطن مظاهرة ضمت مايزيد على خمسة وعشرين ألف متظاهر وفقاً للإحصائيات الرسمية ،نصفهم على الأقل من الأمريكين المتحولين فكرياً الذين أدركوا أن وسائل الإعلام ضللتهم طيلة سنوات عديدة أظهرت خلالها إسرائيل فى صورة الحمل الوديع الذى يريد العرب إلتهامه.
هذه المرة انتصرت السوشيال ميديا ونجحت فى كشف بعض الحقيقة من خلال المشاركة الفعّالة ونشر صور المذابح الرهيبة التى يرتكبها جيش الاحتلال ضد المدنيين من الفلسطينيين العُّزّل ورغم أن استطلاعات الرأى أظهرت أن نسبة كبيرة من الأمريكيين طالبوا فى بداية الصراع بتجنيب المدنيين الفلسطينيين من الانتقام الإسرائيلى ضد حماس مع استمرار دعم الغالبية لإسرائيل فى الصراع،
إلا أن الشارع الأمريكى يشهد تغيرا دراماتيكياً سريعاً تجاه نظنه للأحداث ولطبيعة الصراع وفقدت إسرائيل مؤخرا كثيرا من التعاطف الذى كانت تحظى به فى الماضي.
أكد كثير من الأمريكيين الذين التقيت بهم أنهم وقعوا ضحية وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية التى كانت غارقة فى التعاطف مع إسرائيل،وقال كثير من الذين التقيهم يوميا فى عدة مدن أمريكية انهم قد تعلموا الدرس ولن يعتمدوا على وسائل الإعلام فقط عند الحكم فى أى قضية صراع بل سيكون للسوشيال دورها باعتبارها تعكس كثيرا من الحقيقة حيث تأتى من جمهور الناس الذين ليست لهم حسابات تتم مراعاتها مثلما تفعل وسائل الإعلام.تأتى من مشاعر الناس الحقيقيين وليست من هؤلاء الذين حولوا الإعلام الأمريكى والغربى عموماً إلى بوق يردد الأكاذيب الإسرائيلية.
على المستوى السياسى تظهر قراءة الشارع الأمريكى فى السنوات الأخيرة، تصارع الديمقراطيون مع الاحتكاك الداخلى بين المعتدلين المؤيدين لإسرائيل وفصيل من التقدميين الذين ينتقدون إسرائيل بشكل متزايد، وخاصة بسبب معاملتها للفلسطينيين وتوسيع المستوطنات اليهودية من قبل حكومة اليمين المتطرف فى البلاد.
وهى بالتأكيد إشارات مقلقة لإسرائيل، التى اعتمدت منذ فترة طويلة على واشنطن للحصول على مساعدات الأسلحة والدعم الدبلوماسى الدولي.
الخلاصة التى يجب أن نبنى عليها لمزيد من التوعية للشارع الأمريكى بصفة خاصة والغربى بصفة عامة هو ضرورة أن نستغل ماحدث لمساعدة هذه الشعوب فى الخروج من دوائر إعلامهم المغرض. نحتاج كعرب حملات توعية لتوصيل وجهة نظرنا.نحتاج حملات إعلامية وقنوات موجهة.نحتاج وسائل تبرز لهم معاناة الفلسطينيين،وتوضيح كيف انهم ليسوا إرهابيين بل يدافعون عن حقهم فى الحياة.نحتاج كل هذا وأكثر لا أن تكون قضيتنا فقط مرهونة بحرب الإبادة الشاملة التى ترتكبها العصابة الصهيونية الآن فى غزة.