لقاء شي وبايدن .. قمة واحدة وأهداف مختلفة..!!
الولايات المتحدة تنشر صواريخ أرضية جديدة بالمحيط الهادي
توافق البلدين يلزمه وجود عدو مشترك.. أو عجز أحد الطرفين عن المنافسة!!
بايدن يصف شي بالديكتاتور.. والزعيم الصيني يغازل عدو أمريكا اللدود!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
القمة الأمريكية الصينية التي عقت مؤخرا بين الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بنج، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، لم تلبث أن انتهت حتى بدأت علامات التنافس -أو اللاتوافق المستمر بين البلدين-تطفو على السطح، رغم أن البعض كان يعلق آمالًا كبيرة عليها في تخفيف حدة التوتر بين القوتين العظميين.
بعد القمة بأيام قليلة من القمة -التي توارت خلف أحداث غزة ولم تنل نصيبها المستحق من التغطية الإعلامية -قال قائد قوات الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ، إن بلاده ستنشر العام المقبل صواريخ جديدة متوسطة المدى في المنطقة كجزء من جهودها لردع الصين عن “ضم” تايوان.
قال فلين: “لقد اختبرناها ولدينا بطارية أو اثنتان منها. ونعتزم نشر هذا النظام “لن أقول أين ومتى. أقول فقط إننا سننشرها.”
وذكر موقع “ديفنس وان” أن فلين كرر ما قاله مسؤولون آخرون في القيادة الأمريكية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث ذكر أن “المزيد من الجيوش الإقليمية تتطلع للتدريب مع القوات الأمريكية ردًا على سلوك الصين تجاه بعض دول المنطقة. وقال إن القدرات العسكرية للصين تتسارع.”
وأضاف: “يتعين علي الصينيين أن ينتصروا في حرب المعلومات”. “يريدون أن ينظر العالم للولايات المتحدة على أنها قوة متراجعة وغير موثوقة، وإلي الصين على أنها قوة موثوقة وصاعدة”.
قضية ملحة
لقد اجتمع الزعيمان في سان فرانسيسكو، سعيًا لإظهار أن العلاقات المتضررة بينهما بدأت تتعافى. وهذا اللقاء المباشر بين بايدن وشي ربما يكون الأخير بينهما قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل. والقضية الملحة، أثناء جلوسهما معًا للمرة الأولى منذ عام، هي كيفية إدارة العلاقات المتوترة طوال الموسم السياسي الأمريكي الذي سيكون مليئًا بالخطاب المناهض للصين.
يقول كين مورياسو، في تقرير بموقع آسيا نيكي، جاءت المحادثات وسط توترات متزايدة بين الجيشين الصيني والأمريكي، حيث تحدث البنتاجون عن أكثر من 180 عملية اعتراض جوي صينية خطيرة ضد الطائرات الأمريكية خلال العامين الماضيين.
اقتصاديًا، تؤكد واشنطن أنها لا تحاول فصل اقتصادها عن اقتصاد الصين -فهي تفضل مصطلح “إزالة المخاطر” -رغم استمرارها في إضافة الكيانات التجارية -التي تصدر معدات تصنيع الرقائق المتقدمة للصين -إلى القائمة السوداء.
وذكرت الباحثة الصينية أوريانا سكايلار ماسترو في ندوة بجامعة ستانفورد قبل الاجتماع إن بايدن وشي “مثل زوجين قررا الطلاق، لكنهما يحضران عيد الشكر” وهو احتفال بالأسرة والأصدقاء المقربين في نهاية العام.
يرى زاك كوبر، أحد كبار زملاء معهد أميركان إنتربرايز، أنه، نظراً للتطورات الأخيرة غير المرتبطة بالعلاقة بين الولايات المتحدة والصين، أصبح لدى الجانبين حوافز قوية لتهدئة التوترات.
إدارة بايدن أرسلت إلى الكونجرس طلب ميزانية تكميلية قيمتها 105 مليارات دولار لدعم أوكرانيا وإسرائيل، ولا تستطيع تحمل فتح جبهة ثالثة أكبر بكثير في مضيق تايوان. وهي بحاجة ماسة لاستئناف الحوار العسكري لمنع الأزمات وإدارتها. وأوقفت الصين جميع هذه المحادثات في أغسطس 2022 ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي لتايوان.
وتحقيق الاستقرار في علاقات البلدين يمثل نعمة يحتاجها الاقتصاد الصيني بشدة، فهو يعتمد بشكل كبير على التجارة مع العالم الخارجي. وكذلك يساعد بايدن في عامه الانتخابي إذا استجاب السوق بشكل إيجابي لتحسن العلاقات بين القوتين العظميين.
وتأتي قمة بايدن وشي أيضًا قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية في تايوان. وستكون الصين أكثر سعادة بانتخاب زعيم أكثر ميلًا لبكين من الرئيسة الحالية تساي إنج وين، التي تقضي ولايتها الثانية ولا يمكنها الترشح مرة أخرى.
ويقول محللون إن بكين وافقت فقط على عقد قمة مع بايدن لأنها شعرت بالاطمئنان إلى أن واشنطن لن تدلي بتصريحات مثيرة للجدل بشأن تايوان خلال الزيارة.
الدبلوماسية وحدها لا تكفي!
كذلك يقول مايكل بيكلي، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تافتس، إن الاجتماع بين زعيمي أكبر اقتصادين في العالم، لم يغير الكثير، فليس هناك ما يشير إلى “إعادة ضبط” علاقات البلدين التي يغلب عليها الشك والمنافسة.
ويضيف، في مقاله بموقع كونفرسيشن، إن هذه المنافسات لا تنتهي إلا عندما يفقد أحد الطرفين القدرة على المنافسة أو عندما يتحالف الجانبان ضد عدو مشترك. ولا يبدو أن أياً من السيناريوهين محتمل في أي وقت قريب فيما يتعلق بواشنطن وبكين.
قال بايدن بعد اجتماعه مع شي إن الصين “دولة شيوعية… تقوم على نظام حكم مختلف تماما عن نظامنا”.
هذا التعليق يجعل الدبلوماسية وحدها غير قادرة على إعادة ضبط العلاقات بين القوتين العظميين، فهما يفهمان بعضهما البعض جيدًا، وتوصلا إلى أنه لا يمكن التوفيق بين وجهتي نظرهما العالمية.
ويصدق نفس القول على العديد من القضايا التي تفرق بين البلدين، والتي تم وضعها في إطار سيناريوهات ثنائية للربح والخسارة مثل تايوان، وبحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي اللذين يمكن أن يكونا مياهًا دولية أو أراضي صينية؛ وما إذا كان يمكن شل روسيا أو دعمها.
الولايات المتحدة ترى أن تحالفاتها الآسيوية قوة للاستقرار؛ أما الصين، فترى في هذه التحالفات تطويقًا معاديًا لها.
منذ فترة طويلة قال صناع السياسات الأميركيون إن ما يريدونه هو أن “تتغير” الصين ــبمعني تغيير نظام الحكم لديها. ولكن الحزب الشيوعي الصيني يدرك أن هذا يعني التصفية الذاتية. وكما علق الزعيم الصيني السابق جيانج تسه مين، فإن سياسات المشاركة والاحتواء لها نفس الهدف، وهو إنهاء النظام الاشتراكي في الصين.
لكن شي يدعو لبناء قوة عسكرية ضخمة، وترسيخ سيطرة الحزب الشيوعي الصيني، وانتهاج سياسة اقتصادية تقوم على الاعتماد على الذات.
الكلمات المشجعة والاتفاقات المحدودة التي تم التوصل إليها في اجتماع شي وبايدن لن تصرف الانتباه عن الإجراءات التي تدفع القوتين العظميين لمزيد من التباعد.
ترى واشنطن أن استعراض الصين للقوة في مضيق تايوان لا يظهر أي علامة على التراجع. وفي الوقت نفسه، هناك قلق لدى الدول الأخرى بسبب نشاط بكين في بحر الصين الجنوبي.
وبالمثل، استمر بايدن في نهج الولايات المتحدة نحو التحالفات العسكرية الرامي لمواجهة الصين. وأبرمت إدارته مؤخراً اتفاقية ثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وجاء ذلك بعد عامين من إنشاء تحالف أوكاسAUKUS، وهو شراكة أمنية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، لها أهداف مماثلة.
كما تواصل الإدارة الأمريكية تشديد الخناق على الاقتصاد الصيني وذلك بفرض قيود على الاستثمار. ويدرك بايدن أن تدفق الأموال من وول ستريت يساعد الصين في التغلب على الظروف الاقتصادية المتقلبة، وهو يريد إغلاق الصنبور.
هذا لا يعني أن الدبلوماسية والمحادثات المباشرة لا طائل من ورائها. فهي تخدم عددًا من المصالح.
هناك جانب محلي إيجابي للرجلين. بالنسبة لبايدن، فالتعامل بلطف مع الصين يعكس صورة رجل دولة وخاصة أنه يواجه اتهامات من اليسار السياسي بأنه “من دعاة الحرب” بسبب مواقف إدارته بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط. وقد تؤدي التهدئة مع بكين خلال عام الانتخابات الأمريكية لإضعاف الهجوم المحتمل من جانب الجمهوريين الذين يقولون أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الصين لا تنجح.
كذلك يستطيع شي استعراض مهاراته الدبلوماسية وتقديم الصين باعتبارها قوة عظمى بديلة للولايات المتحدة، وهو يسعى لفصل مجتمع الأعمال الغربي ـأو حتى الدول الأوروبية الكبرى ــ عما يعتبره تحالفاً أميركياً مناهضاً للصين.
وتشير مؤتمرات القمة بين البلدين، كتلك التي انعقدت في سان فرانسيسكو، إلى أن كلا البلدين ملتزم بمواصلة المحادثات على الأقل، لضمان منع انحدار العلاقة الصعبة إلى وضع أكثر عدوانية حتى لو لم تجعلها أكثر ودية.
التحالف مع روسيا
بعد محادثات بايدن مع شي، عقد مؤتمرا صحفيا وفي نهايته، سأل مين جونج لي من شبكة “سي إن إن” بايدن عما إذا كان لا يزال يعتقد أن الرئيس شي “ديكتاتور”، وهو ما كرره عدة مرات من قبل، فأجاب:
“حسنًا، إنه ديكتاتور بمعنى أنه رجل يدير دولة شيوعية تقوم على شكل حكومي مختلف تمامًا عن نظامنا”، مضيفًا أيضًا: “على أي حال، أحرزنا تقدمًا”
ويقول دراجو بوسنيك، في تحليل بموقع جلوبال ريسيرش: كما هو متوقع، ففي 20 نوفمبر، أي بعد أيام فقط من “الاجتماع الرائد”، أشاد شي بالعلاقات القوية بين الصين وروسيا، العدو اللدود لأمريكا، مؤكدًا أن الشراكة الاستراتيجية مع روسيا “ترسخ المزيد من الاستقرار في العالم”.
وأكد شي أن “بكين مستعدة للعمل مع موسكو بحزم بشأن العلاقات الثنائية وبناء صداقة دائمة”. وفي الوقت نفسه، بعث له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة تتضمن نقاطاً مماثلة حول العلاقات الصينية الروسية.
عند مقارنة التصريحات الودية للرئيس الروسي، ولهجته الدبلوماسية التي تتسم بالاحترام العميق واستخدام بايدن المتهور لكلمة “ديكتاتور”، فإن ذلك يظهر الفرق الصارخ في كيفية إدارة موسكو وواشنطن للسياسة الخارجية. عند تحليل كلمات الرئيس الأمريكي، فإنها تظهر أيضا العنصرية العميقة وعقدة “التفوق” التي يشعر بها الغرب السياسي تجاه العالم بأسره. فهو يقول إن شي “ديكتاتور” لمجرد أن النظام السياسي في الصين يختلف عن نظام الدولة “التي يديرها”، وبذلك اعترف بايدن فعلياً بأن “نظامه المحارب” يعتقد أن العالم كله يجب أن يعيش بالطريقة التي تعيشها أمريكا.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينج في رد رسمي: “هذا البيان خاطئ للغاية وتلاعب سياسي غير مسؤول”.
نظام عالمي متصدع
ويرى ايشان ثارور بموقع الواشنطن بوست أن النظام العالمي يعاني من التصدع، وأن الصين غاضبة إزاء ميراث “الهيمنة” الأمريكية العالمية، وأن بكين تصور نفسها بطلة لنوع مختلف من النظام الدولي. لكن الإدارات الأمريكية ترى أن الصين هي التحدي الرئيسي على المسرح العالمي،في القرن الحادي والعشرين وقد سعت لتنظيم أجنداتها المحلية والدولية بناءً على ذلك.
يضيف: الرئيس الأمريكي متورط في دعم حربين دمويتين ومستقطبتين في أوكرانيا وإسرائيل، وربما كان يرى في القمة لحظة مناسبة لخفض التوتر مع بكين وتحقيق الاستقرار في العلاقة التي تشهد سقوطًا حرًا. كذلك شي الذي يواجه وضعًا صعبًا، مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، وهروب رؤوس أموال المستثمرين من البلاد، وهناك ضرر عميق أحدثه تعامل بكين الصارم مع الوباء.
وقد يواجه بايدن دورة انتخابية معقدة، لكن شي، الذي أعاد ترتيب دولة الحزب الواحد في الصين، كان بحاجة للقمة لدعم أوراق اعتماده القيادية وسط التدقيق المتزايد على حكمه، حسبما يقول مينكسين بي، عالم السياسة المتخصص في العلاقات الصينية الأمريكية، بكلية كليرمونت ماكينا.
ويلاحظ لايل جولدشتين، مدير المشاركة الآسيوية بمركز أولويات الدفاع البحثي: “أن تحسين العلاقات الثنائية وتوجيهها بعيدًا عن التنافس العسكري، لا يتحقق باجتماع قصير على هامش قمة متعددة الأطراف، ولكنه يحتاج إلى اهتمام مستدام وقمة سنوية رفيعة المستوى بين البلدين تستمر يومين على الأقل.
ووفقا لاستطلاع رأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية مؤخرا، فإن عددا قياسيا من الأمريكيين ينظرون إلى الصين باعتبارها “تهديدا خطيرا”، وتعتقد الأغلبية أن القيادة الأمريكية لا تفعل ما يكفي للتعامل مع هذا التهديد.