اهتم هذا البحث بإشكالية الموارد المائية في المنطقة العربية ومدى مساهمة هذا القطاع في التنمية الزراعية المستدامة. وبيّن تشخيص الوضعية الحالية والتوقعات المستقبلية أن هذه الموارد غير قابلة للاستدامة، خصوصا بسبب الضغط البشري وسوء الاستعمال والعوامل الطبيعية المختلفة، إضافة إلى نظم الإدارة المائية خاصة الجانب المؤسسي والتشريعي والسياسات المائية المتعلقة بقطاع الزراعة وما يميزها من تداخل وازدواجية في الاختصاصات بين المؤسسات المعنية وقلة أو غياب التنسيق بينها، إضافة إلى افتقار العديد منها للآليات التشريعية الداعمة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وتوصّل البحث إلى أن تحقيق التنمية المستدامة للقطاع الزراعي يتطلّب نظماً وسياسات متمّيزة تمّكّن من استخدام الموارد المائية بكفاءة أكبر وقدرة عالية على مواجهة الصدمات والتكيف مع التغيرات المناخية. وهذا يقتضي، إضافة إلى توفّر إطار مؤسسي وتشريعي محوكم بطريقة مُثلى، إدارة فاعلة وفعّالة للموارد المائية تعمل على تطوير السياسات والاستراتيجيات المائية المناسبة، والإنفاذ الفعّال للتشريعات واللوائح التنظيمية، وتحسين أداء مؤسسات المياه وتعزيز قدراتها الفنية والبحثية والمالية وزيادة التنسيق والتعاون بينها. كما يتطلب أيضا توجها أكبر نحو اللامركزية ومشاركة القطاع الخاص للارتقاء بكفاءة إدارة الموارد وضمان توفرها على المدى الطويل.
تعد الزراعة أحد القطاعات الرئيسية التي تعتمد عليها العديد من الدول حيث تساهم بشكل كبير في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وتبرز أهميتها في كونها مصدرا مهما للمنتجات الغذائية وتستوعب نسبة كبيرة من اليد العاملة و تسهم في توفير المدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات إضافة إلى مساهمتها في تحصيل موارد مالية عبر التصدير. و نظرا أهميتها، وضعها البنك الدولي على رأس الأولويات التنموية، خاصة في البلدان النامية،
وأكد على زيادة الاستثمار في هذا القطاع لتمكينه بالخصوص من المساهمة في تحقيق أحد أهداف الإنمائية الرئيسية للألفية، ألا وهو تخفيض نسبة الذين يعانون من الجوع إلى النصف ما بين عامي 1990 و5102 )2008 ,Bank World). وقد زادت أهمية هذا القطاع، خاصة الزراعة المستدامة، لتصبح أحد أهم العناصر الرئيسية التي تربطها عالقة مباشرة ببعض أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة )5101-5102(، خاصة الهدفين الأول )الفقر(
والثاني )الرجوع(.كبيرا لدعم هذا القطاع وتعزيز الأمن على المستوى العربي، أولت العديد من الدول اهتماما الغذائي. لكن مع ذلك العديد من الأراضي الزراعية والموارد، خاص ، وبالرغم من توف ة البشرية، الاختزال لم يسبق للإنسانية أن تعرضت لتحديات صعبة كالتي تعرضت لها في القرن الماضي، والتي مازالت تواجهها إلى يومنا هذا، وهذه التحديات عديدة فمنها ما هو سياسي عسكري، اقتصادي، واجتماعي، بيئي أو ما يجمع بين مختلف هذه الصيغ، وعلى الرغم من كل التحديات وخطورة ا، إلا أن هناك مشكلة برزت من بين تلك المشاكل الكثيرة في عالمنا تتحدى الإنسان في أمنه وحياته، مشكلة توفير الغذاء بالقدر الكافي والشكل السليم لتغطية الطلب المتزايد عليه في مختلف أرجاء هذا العالم المترامي الأطراف والوفير بالموارد والإمكانيات. مما وضع الأمن الغذائي ضمن أهم أولويات المختصين وذوي القرار. وتعد التنمية الزراعية المستدامة مفهوما طرحته التحديات التي انجرت عن التزايد السكاني والاستعمال المفرط للموارد الطبيعية لصالح الزراعة وما نتج من تلوث للبيئة من جراء استخدام المبيدات من أجل زيادة الإنتاج الغذائي ومن جراء المخلفات الزراعية المختلفة
ما تواجهه مصر من تحديات ناتجة عن محدودية الموارد المائية والزيادة السكانية ، مما أدى لتراجع نصيب الفرد من المياه فى مصر الى حوالى 550 متر مكعب سنوياً، والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية ومنها إرتفاع درجات الحرارة وما ينتج عنها من زيادة الإحتياجات المائية ، الأمر الذى دفع الدولة المصرية لتنفيذ مشروعات كبرى تهدف لتحقيق أقصى إستفادة من الموارد المائية المحدودة و رفع كفاءة إستخدام المياه وتعظيم العائد من وحدة المياه وخدمة المنتفعين وخاصة المزارعين .
لدي مصر عده مشروعات قد تنفذ وأخري قيد الدراسة من ضمن رؤيتها لتنويع مصادرها المائية داخل وخارج حدودها كون ذلك يندرج تحت الأمن القومي المصري. واتصالا بذلك، لدي دوائر صنع القرار في مصر عده ملفات مستهدفة من أجل تعظيم مواردها المائية أبرزها:
1- قناة جونقلي: يحظي مشروع قناة جونقلي باهتمام كبير بين مصر والسودان من ناحية وجنوب السودان من ناحية أخرى مما يرتب من مكاسب مشتركه للجانبين، وكونه أكثر المشاريع القابلة للتنفيذ. طرح المشروع في ثمانينات القرن الماضي من أجل زياده إيراد مياه النيل الواردة من النيل الأبيض. توقف المشروع عام 1983 نتيجة الحرب الأهلية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي انتهت في عام 2005 بعد أن كان حلم تنفيذ القناة علي وشك الاكتمال بعد أن تم حفر 260 كم من أصل 360 كم. وتبرز أهمية المشروع في أن نهر الجبل الذي يقع فيه قناة جونقلي يفقد أكثر من نصف مياهه بسبب التبخر. واتصالا بذلك، لمشروع قناة جونقلي فوائد كإقامة مشروعات زراعيه وثروة حيوانية وتقليل الفاقد وزيادة إيراد نهر النيل بـ 10 مليارات متر مكعب تقسم بالمناصفة بين مصر والسودان. تجدر الإشارة إلى أن مشروع قناة جونقلي يوفر عشرات الآلاف من الأفدنة للزراعة، وتكمن أهمية تنفيذه بسبب الفيضانات التي تضر نحو 300 ألف مواطن مقيم في وحول جونقلي في 6 ولايات مما يظهر أهمية تنفيذه لصالح جنوب السودان في المقام الأول. في هذا الإطار، تمثل قناة جونقلي عاملا داعما للأمن المائي المصري والسوداني.
2- مشروع بحر الغزال: تعمل مصر علي دعم دولة جنوب السودان في منطقة بحر الغزال على إزالة الحشائش وإنشاء تحويلتين لربط بحر الغزال بالنيل الأبيض لتوفر مصر 7 مليارات متر مكعب تقدم بالمناصفة بين مصر والسودان في إطار إنخراط مصر في المشاريع المشتركة بينها ودول حوض النيل وتقديم كافة الخبرات المصريه للأشقاء الأفارقة.
3- مشروع قناة مشار: لدي مصر خطط للاستفاده من هذا المشروع الذي يقع في جنوب السودان في نهر السوباط بطول 350 كم، ويعد هذا النهر إحدي الروافد الرئيسية المنسية للنيل الأبيض، حيث تعاني منطقة مستنقعات مشار وغيرها من عمليات التبخر والتسرب. من هنا، يمكن حلها بواسطة أعمال بسيطة كالحفر والردم والتعميق، حيث تملك مصر خبرات متشعبة في هذا المجال ويمكن أن تلعب دورا محوريا في سياق بحثها عن موارد مائية جديدة، حيث يمكن ان يوفر مشروع مستنقعات مشار 7 مليارات متر مكعب تقدم بالمناصفة بين مصر والسودان.
4- مشروع نهر الكونغو: وهو مشروع تمت دراسته عدة مرات علي فترات متباعد خاصة عند الحديث عن أزمة المياه والتحديات الجديدة التي تطرأ علي المشهد، ويمكن القول إن مشروع نهر الكونغو من المشاريع الطموحه خاصة أن معظم مياهه التي تقدر بـ 1300 مليار متر مكعب سنويا تهدر في المحيط الأطلنطي مما أدي إلي إمكانية البحث بربطه بنهر النيل وزيادة حصة نهر النيل بمقدار 100 مليار متر مكعب بخلاف مصادر مصر الأخري. وتعد تكلفه المشروع بحسب تقديرات صينية وروسية بنحو 20 مليار دولار و25 مليار دولار بالترتيب.
لكن تكمن الأزمة في قابلية تنفيذ المشروع وليس تكلفتها الكبيرة، حيث يعد نهر الكونغو نهر دولي وليس محليا، ولهذا يجب موافقة جميع الدول المطلة علي النهر، وهي جمهوريه الكونغو الديمقراطية، وكونغو، وأنجولا، وزامبيا، فضلا عن أن المشروع يصطدم بعراقيل فنيه وديموغرافية وطوبوغرافية تجعل من توصيل المياه وربطه بنهر النيل بالمهمة الصعبة والشاقة –وليست مستحيلة– كون تحتاج بعض المناطق محطات لتوليد الكهرباء، إلي جانب محطات الرفع من أجل رفع المياه لمسافات طويلة أو نقل المياه عبر أنابيب لكن بكميات محدودة مما يرفع فاتورة التنفيذ إلي أرقاما كبيرة جدا مقابل كميات محدودة من المياه بخلاف اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية قد تطرأ علي الساحه الدولية لتهدد المشروع حال تم تنفيذه علي ارض الواقع. من هنا، يعد مشروع نهر الكونغو أصعب الخيارات وأكثرها تكلفة مقارنه بالمشاريع الاخري التي سبق ذكرها، لكنها قد تنفذ علي فتره طويلة الأمد بالرغم من أن هذا السيناريو غير مرجح.