العَزيزُ الحَكيم – الغَفورُ الرَحيم – الحَليمُ الغَفور – العَليمُ الحَكيم – الحَكيمُ العَليم !!
هذا التَرّاتُب السَجعي لإحدى أسماء وصفات الله جلّ وعلا ، وكلها تُعبر عن ذات وصفات الحق في علاه، غير أن لكل واحدة ماهيتها بمقتضى العليم الخبير والسميع البصير ….
وباديء ذي بدء مع اسم الله العزيز الحكيم :::
فأما العزيز الحكيم فهو حق الله المحض، الذي لا يرضى لعباده الكفر، وبالقياس لا يقبل شفاعة نبي ولا ملك في كافر قط… ( حتى وإن لجّ الجَمل في سَم الخِياط )
عزّ فحكم فعذب، وعزّ فحكم فأمر بقطع يد السارق، وعزّ فحكم فأمر برجم الزناة….
ويظهر لفظ العزيز الحكيم بجلاء في عدة سور لاسيما السور المدنية ذات الأحكام القطعية، كالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والتوبة والحشر والممتحنة ، وهذه لها دلالة حُكمية في تشديد الخطاب القُرآني، نحو الشاردة نواصيهم والمتهوكة قلوبهم..
ويتمم لفظ العزيز الحكيم جُل الآيات التي تُفرد وحدانية الله، وطلاقة قدرته في خلق السماوات والأرض ، بالحُجة والمحّجة، وكذلك التي تعرُج إلى قطعية الأحكام الفرضية ..
هُو الذي يُصورُكُم في الأرحَامِ كَيفَ يَشَاء لا إلهَ إلا هُو العَزيزُ الحَكيم (6) آل عمران
شَهدَ اللهُ أنهُ لا إلهَ إلا هُو وَالمَلائكةُ وأولُو العلمَ قَائماً بالقسط لا إلهَ إلا هُو العَزيزُ الحَكيم (18)
ثم يخاطب العالمين أجمعين سلفاً وخلفاً بأصالة الحُجة ونضارة المحجة، نذيراً ووعيداً لمن حاد عن التوحيد بتتمة الآيات باللفظ الفارق العزيز الحكيم !!
ربنَا وابعَث فيهم رَسولاً منهُم يَتلُوا عَليهم آيَاتكَ وَيُعَلمهُم الكتَابَ والحكمةَ إنَكَ أنتَ العَزيزُ الحَكيم ) البقرة 129
( رُسلاً مُبَشرينَ وَمُنذرينَ لئَلا يَكُونَ للنَاسِ عَلى اللهِ حُجَةٌ بعدَ الرُسل وكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكيماً ) النساء 165
ويمضي على ذات النسق لفظ العزيز الحكيم ، متمماً ومحكماً لعذابٍ واصبٍ لمن ماتّ كافراً ( إنّ الذينَ كَفَرُوا بآيَاتنَا سَوفَ نُصليهم نَاراً كُلمَا نَضجَت جُلُودُهم بَدَلنَاهُم جُلوداً غَيرَها ليَذُوقُوا العَذاب إنّ اللهَ كَانَ عَزيزاً حَكيماً (56) النساء
ولما كان الغلو في عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، كان التحذير والنذير بلفظ العزيز الحكيم..
( يَا أهلَ الكتَابِ لا تَغلُو في دينكُم وَلا تَقُولُوا عَلى اللهِ إلا الحَق إنمّا المَسيحُ عيسَى بنَ مريَم رَسُول الله وكلمَتُهُ ألقَاهَا إلى مَريمَ وَرُوحٌ منه فَآمنُوا باللهِ ورُسلِه، وَلا تَقُولُوا ثَلاثَة إنمَا اللهُ إلهٌ واحدٌ سُبحَانَهُ أن يَكُون لهُ وَلد لهُ مَا في السَمّاواتِ وَمَا في الأرضِ وكَفَى باللهِ وَكيلا (101) النساء
ثم يؤكد سبحانه على ما ينفي عن وحدانيته مثقال ذرة من شك ( بل رَفعَهُ اللهُ إليه وَكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكيماً (158) النساء
ثم يُثني الخطاب التحذيري لمن غلا في عيسى النبي، بعاقبة سوءته يوم القيامة بقوة العزيز الحكيم، الذي يقيم الحُجة على الغَالين في عيسى بنكارة عيسى لدعواهم ( إن تُعَذبهُم فإنَهُم عبَادُك وإن تَغفر لَهُم فإنَكَ أنتَ العَزيزُ الحَكيم ) المائدة 118
لم يقل الغفور الرحيم ، لأن لفظ الغفور الرحيم لا يستقيم مع الشرك بتاتاً…
والعزيز الحكيم يجمل آية حد السرقة في سورة المائدة المدنية ( والسَارقُ والسَارقَةُ فاقطَعُوا أيديَهُما جَزَاءً بمَا كَسَبَا نَكَالاً من الله واللهُ عزيزٌ حَكيم ) المائدة 38
والعزيز الحكيم يُغلظ حد الزنا بالرجم في تتمة الآية المنسوخة لفظاً والمثبتة حكماً من سورة الأحزاب ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) ..
ورغم رفعها من المصحف، فإن حكمها باق واق، واللفظ المتمم هو العزيز الحكيم ، وتنضوي علة الرفع مع بقاء الحكم على امتحان من الله للعباد، لئلا يستخفوا بوصمة الزنا ..
ولله در عمر بن الخطاب لما قال ( أخشى أن يطول بالناس زمناً فيقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فتضيع فريضة محكمة ، ولولا أن يقال زاد عمر في كتاب الله لوضعتها على حاشية المصحف بيدي …