عَزّت دَوائرَ المعّارف الأوُروبية أبجّديَاتها إلى أدبَائها، الذين استمطروا سحائب وعيهم، ليكُرسوا لغَاتَ بلادهم، فدانت الإنجليزية ذات الستمائة ألف كلمة بالفضل إلى الأديب وليم شيكسبير، الذي أكسَبّ هذه اللغَة عالمية الذيوع ، لتترسم كلغة أم في خمسٍ وخمسين دولة، ويتمرس بها أربعمائة مليون شخص حول العالم ..
وكذلك نُسبت الفرنسية ذات المائة وخمسين ألف كلمة، إلى الأديب موليير، والأسبانية صاحبة المائة وأربعين ألف كلمة إلى سيرفانتس، ودانتي إليجييري إلى الإيطالية، وجوتة إلى الألمانية، وبوشكين إلى الروسية …..
كل هذه اللغات وليدة العصور الوسطى والحديثة، أبعدها زمناً الإيطالية إلى حيث القرن الرابع عشر، وأقربها زمناً الألمانية والروسية في نهايات القرن الثامن عشر ….. ولئن مُلئت هذه اللغات الأسماع في عموم الأصقاع، فسيأتي لها موعدٌ تندثرُ فيه فناءً وموتاً وانتهاءً …
أما لغتُنا العَربية فهي التي ضارعت الدهر، وبقيت في نبض الزمن بكل فخر، شامخةً باسقة، قُطُوفُها دَانية، مجيدةً تليدة، عريقةً أنيقة، فخيمةً بهيجة،.. وستبقى حيةً أبيةً خالدةً تالدة وأبداً باقية …
تسبقُ اللغّات عبقاً، وتسحَقُ اللغّات سِحراً، وتنُوءُ بالعصبةِ أُولي القُوةِ على العّالمين من لدُن خاتم النبيين، الذي أوّاهَا وجلّاها وسبّر أغوارُها في قَاموسهِ المتّفَرد تَفسيرّاً وبيَاناً…
اثنتي عشر مليون كلمة عربية ونيف تزخرُ بهم قواميس العرب في السَلف والخَلف، لم يُحصهَا إلا نبينا الأكرم…
ألفاظها جامحة وأغصانها وارفة .. كُل لفظٍ يُصرَف منه مئات المعاني، وكلُ معنى يُسبك منه آلاف المباني ….
صُنعت على عين الله ومن أحسنُ من الله صنعاً …
العربيةُ هي اللُغة التي جعلها الله مادة القرآن خاتم كتبه… ومادة نبيه خاتم رسله …. ومادة خير الأمم وآخر الأمم … لمثل هذا لا ندّ لها ، ولا كُفء لها ، ولا نظيرّ لها ، ولا وارثّ لها ….
لغة الماضي الأثيل، ولغة الوحيين والتنزيل …
ولغة العرب الأقُحّاح، شعراً ونثراً فوّاح …
ولغةُ هودٍ وصالح وشعيبٍ وإسماعيلَ ومحمِدٍ صلوات الله عليهم أجمعين .. وسنابُرقها في قلب التاريخ وعلى حاشيته متربعاً بوهيج مُبين…
إن الذي ملأ اللغات محاسناً جعل اللغات وسره في الضاد