وأما عن اسمُ اللّهِ الرحمّن فهو إفرادٌ مٌجّرد، لذاته وكبريائه، وإطلاقٌ مُتفّردٌ في أرضه وسمائه، حرم الله على أهل السماوات والأرض التسمية به أبد الآبدين ، وهو على وزن صيغة مبالغة في الرحمة، لتشمل سائر الثقلين أرضاً وسماءً، وهو لصيق الصلة بلفظ الجلالة المُجرد المُتفرد بالكمال والجلال..
وأما الرَحمّنُ فهو أعظم أسماء اللّهِ حقاً ، وموطن العظمة هاهنا مضامين عقائدية وتربوية وبلاغية وإعجازية ، تَخر لهَا السمّاوَات والأرض خَراً،..
الرحمّن هو الاسم الذي لا يعزُب عن مُفتتح جميع سور القُرآن الكريم عدا التوبة فاضحة المنافقين ، مقروناً بلفظ الجلالة اسمُ الله المحض،،،
وهو الاسم الوحيد من أسماء الله الحُسنى الذي تَفّرَد باسم سورة كاملة في القرآن هي سورة الرحمّن
وهو الاسم الذي لا ينبغي لأحدٍ التسمي به، كغيره من الأسماء الخاصة بالله ( الرحمّن ، الأحد، الصمد، الخالق، الرازق ) ..
بخلاف الرَحيم فهو من الأسماء المستساغ تسميتها والجائزة شرعاً شأنها شأن ( كريم، حليم، حكيم، عليم، سميع، بصير، حفيظ، عزيز، نافع، رشيد )
وبينما اسمُ الله الرَحيم يكلأ المؤمنين ( وَكَانَ بالمُؤمنينَ رَحيمَا) الأحزاب 43 فلعمر الله أن اسم اللهِ الرحمّن يعبأ بالخلائق جميعاً…
ومن نافلة القول أنَ اسم اللّهِ الرحمّن يقض مضاجع الكفار جميعاً ، ولهذا كان مُلازماً للفظ الجَلالة، وتَفرّد دونما عن أسماء الله الحسنى باسم سورة كاملة ، وكانت أول سورة يجهر بها المسلمون في مهد الدعوة بمكة، لما صدح بها عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، ونال من أبي جهل الوخز والهمز واللمز استعجاماً للفظ الرحمن…
وهو ذات اللفظ المُبين الذي قوض مراسم صلح الحديبية، استنكاراً من سهيل بن عمرو، الذي قال للنبي آنئذ أما الرحمّن فلا ندري ما هو، اكتب باسمك اللهم…
وعلى وجه من الصلف والبأو ، عمدَ مُسيلمةَ الكذَاب إلى اختيار هذا اللفظ دون غيره من أسماء الله الحسنى ، ليصف نفسه برحمان اليمامة…
ولفظ الرَحمّن ناصع الذكر في سورة مريم، كأكثر سورة يُذكر فيها اسمُ الرحمّن، وذُكر في ثنَاياها وسجَاياها ستة عشر مرة وهذا استقصاء، يمضي في سياق السورة التي تُفرد وحدانية الله بصيغة الرحمّن، وتنفي عن الرحمّن الشرك والتثنيه والتثليث، بخصوصية لفظ الرحمّن…
فيستنكر الرَحمنُ غرور العبد الكافر ( أَطلَعَ الغَيبَ أم اتَخَذَ عندَ الرحمّنِ عَهداً ) مريم 78
( يَومُ نَحشُرُ المُتَقينَ إلى الرَحمّن وَفدَا ) مريم 85 ثم تقترن الشفاعة بإذن أو غير إذن الرحمن تارة في سورة مريم ( لا يَملكُونَ الشَفَاعةَ إلا مَن اتَخَذَ عندَ الرحمّن عَهدَاً ) مريم 87 ، وتارة في سورة طه ( وخَشَعَت الأصوُاتِ للرَحمّن فَلا تَسمَعُ إلا هَمسَاً) طه 108 ( يَومَئذٍ لَا تَنفَعُ الشَفَاعةُ إلا مَن أذِنَ لهُ الرَحمّنُ أو رَضي لهُ قَولا ) طه 109 وتحل الفاجعة عندما يتخذ الكفار للرحمن ولدا :
( وقَالُوا اتخَذَ الرَحمّنُ وَلدَاً ) ( لقَد جئتُم شَيئاً إداً )
( تَكادُ السَمَاوَاتُ يتفَطّرنَ منهُ وتَنشَقُ الأَرضُ وتَخِرُ الجبَالُ هَدا ) ( أن دَعوُا للرَحمّنِ وَلدَا ) ( وَمَا يَنبَغي للرَحمّنِ أن يَتَخذَ ولَدَا ) ( إن كُل مَن في السَمَاوَاتِ والأرضِ إلا آتِي الرَحمّنِ عبدَا ) مريم 88-93
كما جاء لفظ الرحمن مقروناً بلفظ الجلالة في سورة الإسراء، على نسق الدعاء بإحدى صيغتي الله ، الرحمن ، لذات الله الواحد ( قُل ادعُوا اللّهَ أو ادعُوا الرَحمّن أياً مَا تَدعُوا فَلهُ الأسمّاءُ الحُسنَى وَلا تَجهَر بصلَاتكَ وَلَا تُخَافِت بهَا وابتَغِ بَينَ ذَلكَ سبيلاً ) الإسراء 110
وبنفس النسق في سورة الفرقان، على وجه السجود، بصيغة اسجدوا للرحمن ( وَإذَا قِيلَ لَهُم اسجُدُوا للرَحمّن قَالوُا ومَا الرَحمّنُ ) الفرقان 60
ويسنو ويسمو لفظ الرحمن في صفة الخبير بمقاليد الكون كله أرضاً وسماءً ( ثُمَ استَوى علَى العَرشِ الرَحمّنُ فَاسأَل بهٌ خَبيرّا ) الفرقان 59
ويتفرد رَحمّنُ الدُنيَا والآخرة بملكوت السماوات والأرض في موطن بديع في سورة عم ( ربُ السَمَاوَات والأرضِ وَمَا بينَهُمَا الرَحمّنٌ لا يَملكُونَ منهُ خطَاباً ) عم 37