أتابع ما ينقله المفكر المغربى الصديق الدكتور إدريس الكنبورى من تقارير صحفية غربية تتحدث عن “انهيار المشروع الإسرائيلى” و ” انتهاء الحلم الصهيونى”، فى إشارة إلى نجاح المقاومة الفلسطينية فى أن تهدم أحلام الصهاينة الأوائل، الذين فكروا في المشروع الصهيوني قبل قرن من الزمن، فقد كانوا يحلمون بأن اليهود سيكونون أكثر أمنا واستقرارا إذا حصلوا على فلسطين وبنوا فيها وطنهم القومي، وأن تجمعهم في فلسطين سيحميهم من الشعوب الأوروبية التي كانت تحاربهم وتكرههم، وسوف تنتهي محنتهم فى أرض ليس لها صاحب، لكن هاهي المقاومة تقلب الموازين، وتحول الأحلام إلى كوابيس، فلم يعد اليهود أكثر أمنا في فلسطين، بل صاروا أكثر خوفا مما كانوا، لم يحمهم الجدار العازل، ولم ينقذهم دعم أمريكا وأوروبا، ولا تجمعهم في فلسطين خلصهم من الخوف والمحنة، ولا الأسلحة المتطورة وفرت لهم الأمن.
اليوم يشعر الإسرائيليون فعلا أنهم محاصرون بين العرب جغرافيا، وأنهم عما قريب سوف يصبحون محاصرين أكثر وأكثر، هم يتحدثون عن الجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية، عن لبنان والعراق واليمن، وعن الضفة والقطاع، ويعرفون أن السماء وحدها هي الباب الوحيد الذي يمكنهم الخروج منه عبر المطارات، لكن إذا جاء يوم وضربت فيه المطارات داخل إسرائيل صاروا عراة تماما أمام المقاومة، التي سوف تأكلهم من كل جانب.
إنه سيناريو مخيف حقا، لكنهم يفكرون فيه بجدية، وهناك آلاف من الإسرائيليين يفرون خارج فلسطين لينجوا بأنفسهم من مستقبل أسود ينتظرهم، مستقبل يتنبأ به عدد من المحللين الإسرائيليين الذين يقولون إن حلم إسرائيل انتهى، مثلما تنتهي كل الأحلام التي تبنى على الباطل، ويتندرون على الفارين الذين يتفاخرون بأنهم مازالوا يحتفظون بمفاتيح منازلهم فى أوروبا وأمريكا، وبعناوين أقاربهم وجيرانهم هناك، يقولون لهم إن الفلسطينيين الذين فروا إلى أوروبا وأمريكا مازالوا أيضا يحتفظون بمفاتيح منازلهم فى فلسطين، وبعناوين أقاربهم وجيرانهم استعدادا للعودة.
هذه التقاريرالغربية هي أبلغ رد على من يتهكمون على المقاومة، ويتهمونها بالعمالة وفقدان العقل، لأنها تجرأت وقامت بعمل فى حجم (طوفان الأقصى) حتي تستثير المارد الإسرائيلى ليدمرغزة، بينما الحقيقة التى أظهرتها المقاومة، وما زالت تظهرها كل يوم، أن إسرائيل ليست ماردا، بل نمر من ورق، لا تستطيع العيش والحرب إلا بالاعتماد على الخارج، الذى يمدها بالمال والسلاح والقرار السياسى، ويحميها بالبوارج وحاملات الطائرات، وبالفيتو فى مجلس الأمن، ومقاتلوها لا يحاربون إلا من داخل الطائرات والدبابات، ليكونوا فى مأمن من المخاطرة بحياتهم، فهم أجبن من أن يحاربوا وجها لوجه.
وفي الوقت الذي يقتل الصهاينة المدنيين ويدمرون الأهداف المدنية عن بعد، فإن المقاومة لا تقتل إلا العسكريين وجها لوجه، ورغم ذلك فالخسارة في الجانب الإسرائيلي أكبر وأخطر بكثير من خسارة الجانب الفلسطيني، لأن الخسارة في الحروب تقاس بمقتل الجنود لا المدنيين، الجنود هم وقود الحرب، وإذا نقص الوقود كانت خسارة الحرب، ومع أن أعداد الشهداء المدنيين الفلسطينيين تجاوزت خمسة وعشرين ألفا، إلا أن إسرائيل تتألم يوميا لأن جنودها يموتون بسلاح المقاومين، وأسراها ورقة رابحة فى أيدى المقاومين، والمقاومون ما زالوا أحياء يرزقون ويقاتلون.
المقاومة تكسب الحرب بالنقاط، لن تنتصر بالضربة القاضية، نظرا لفارق القدرات وموازين القوى، والإسرائيليون يخسرون الحرب تدريجيا، وقريبا سوف ينتقمون من بعضهم البعض، وقد بدأ هذا فعلا، فهناك جنود يتمردون على نتنياهو، وسياسيون بهددونه بالمحاكمة، وجنود يقتلون زملاءهم الأسرى، وأهالى الأسرى يهتفون ضد الحكومة فى الشوارع، وزعيم المعارضة يعلن أن النظام السياسى فى صراع مع النظام العسكرى، بينما تقف فصائل المقاومة متماسكة مترابطة على اختلاف مشاربها، لا تلتفت إلى من ينقدها أو يخذلها، محتفظة بثقة الشعب الذى يقدر أداءها وبطولتها، رغم التضحيات الجسام التى يقدمها هذا الشعب كل يوم، بل كل دقيقة.
كما كسبت المقاومة المعركة الإعلامية، وأثبتت مصداقيتها فيما تبثه من تقارير وبيانات وفيديوهات، وصارت بيانات أبو عبيدة هي الأدق لدى الإسرائيليين أنفسهم، الذين ثبت لهم بالتجربة أن إعلامهم الواقع تحت الرقابة العسكرية يكذب، ولا يقول الحقيقة كاملة إلا مضطرا، بعد أن تعلنها المقاومة، وتعترف تقارير صحفية بأن إسرائيل خسرت (حرب الصورة) في العالم كله، وصارت الشعوب تضعها إلى جانب النازية والفاشية، بسبب جرائم الإبادة التى ترتكبها فى غزة.
وكشف البيت الأبيض قبل ايام قليلة أن أكثر من 90 % من تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي ضد إسرائيل، ما يعنى أن الرأي العام فى الغرب يسير فى اتجاه معاكس لما تبثه وسائل الإعلام الغربية، التي يسيطر عليها اللوبي اليهودي، والتى تتعرض لانتقادات حادة مثل حكوماتها بسبب فقدان شرف المهنة، والانحياز الأعمى لوجهة النظر الإسرائيلية.
وفوق ذلك نجحت المقاومة فى أن تكشف حقيقة الغرب الذى ظهر بوجهه القبيح فى رفضه لوقف العدوان على غزة مرارا وتكرارا، فى حين توقع فرنسا وألمانيا وإيطاليا على وثيقة لمحاربة المقاومة الفلسطينية وملاحقتها، والقضاء على بنيتها التحتية المالية والعسكرية فى الداخل والخارج، ومنعها من تقديم المساعدات للفلسطينيين، ومكافحة الرواية التى تقدمها حول القضية الفلسطينية، وتجريم التعاطفف معها فى جميع البلدان الأوروبية، مقابل التضامن الكامل مع إسرائيل، ومحاربة معاداة السامية، وبهذه الخطة وغيرها من الممارسات المنحازة توقظ الدول الثلاث لدى المسلمين كراهية إسرائيل وأوروبا والغرب كله، ولا تدع منطقة وسطى للتلاقى والتفاهم، فلم يعد أمام المسلم الحقيقى إلا أن يكرههم، أو يراجع إيمانه.
ليس هناك شك فى أن إسرائيل تشعر حاليا بالهزيمة والذل رغم الآلاف الذين قتلتهم، لأن القتل لم يعط النتائج التى تريدها، لذلك تخوض حربا انتقامية غير أخلاقية، لم يهزمها التطبيع والتعايش والتسامح، وإنما هزمتها المقاومة المسلحة، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.