لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً مناهضاً للدور الإعلامي المهيمن للكيان الصهيوني، بعد أن أصبحت مصدراً رئيساً لمعرفة آخر التطورات والاطلاع على الفيديوهات الفاضحة للانتهاكات الصهيونية في الأراضي المحتلة، كما كان تصدر وسم «القدس عاصمة فلسطين الأبدية» لقائمة الوسوم الأكثر تداولاً على موقع تويتر فور إعلان ترمب القدس عاصمة للكيان الصهيوني مثالاً حياً على حجم هذا التفاعل وانتشار الوعي بطريقة لافتة شكلت تهديداً حقيقياً لحالة الهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام المؤثرة في العالم.
لم يتعامل الكيان الصهيوني مع ردة الفعل المناهضة له بتجاهل أو استخفاف، ولم يشعر كذلك بالنصر الكامل في هذه المعركة المدعومة من أكبر دولة عسكرية في العالم، بل جعل حالة الوعي المتصاعدة في شبابنا هدفاً استراتيجياً للبقاء، وتعامل مع هذا التهديد على أنه جولة مهمة في الصراع، وليس مجرد شعور عابر بالغضب.
ضغوط يهودية على المواقع الكبرى:
شن الكيان الصهيوني حربه على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء وحدة لمراقبة شبكات التواصل باللغة العربية تابعة لشعبة المخابرات العسكرية، حيث تتولى هذه الوحدة التنسيق مع مواقع وشركات عالمية لحذف مقاطع فيديو تصفها بالتحريضية.
وبحسب سلطات الكيان الصهيوني، فقد تجاوب موقعا جوجل ويوتيوب بشكل كبير مع طلبات الحذف التي طلبتها، كما كشفت وسائل إعلامية عن أن هذا التنسيق تم خلال زيارة لنائبة وزير خارجية الكيان الصهيوني إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من عامين، حيث التقت مسؤولين في شركات بينها جوجل، واتفقت مع إدارتها على زيادة التعاون في إطار هذه الحملة التي وضعت مقاومة الاحتلال في سلة واحدة مع التنظيمات الإرهابية.
ففي 13 ديسمبر 2016م، كشفت وزيرة العدل في الكيان الصهيوني إيليت شاكيد عن أن موقعي فيسبوك ويوتيوب ومحرك البحث جوجل يمتثلون لطلبات مسح محتوى يعتبره الكيان الصهيوني «تحريضاً للفلسطينيين على العنف».
وأوضحت عقب اجتماع مع مسؤولين من فيسبوك أن معدل «الامتثال الطوعي» لهذه الشركات ارتفع من 50% إلى 95% خلال عام، وذلك بعد أن هددت الوزيرة باستصدار تشريع يتيح ملاحقة الشركات قانونياً إذا سمحت بعرض صور أو رسائل تشجع على ما وصفته بـ«الإرهاب»، لافتة إلى توجيه 120 لائحة اتهام ضد فلسطينيين في عام 2015م بشأن نشر محتوى تحريضي على موقع فيسبوك.
وتزامناً مع التحركات الصهيونية، نقلت وسائل إعلامية فلسطينية عن مركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن 10 على الأقل من حسابات مديري الصفحتين التابعتين له باللغتين العربية والإنجليزية في موقع فيسبوك جرى إيقافها، إلى جانب تعرض صفحة حركة فتح، التي يتابعها ملايين المستخدمين، للإغلاق لفترة، بسبب صورة قديمة نشرتها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حاملاً بندقية.
وأظهر تقرير للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية عام 2016م أن الإجراءات الصهيونية شملت صفحات وحسابات شخصية، منها: شبكة فلسطين للحوار، غزة الآن، شبكة قدس الإخبارية، وكالة شهاب للأنباء، راديو بيت لحم 2000، راديو أورينت، رام الله الإخباري، إلى جانب صفحات للصحفي حذيفة جاموس من قرية أبوديس، والناشط قاسم بدير، والناشط محمد غنام، والصحفي كامل جبيل، فضلاً عن حسابات أخرى لمديري الصفحات والصحفيين والناشطين، وذلك تزامناً مع تنفيذ عمليات اعتقال واسعة ضد القائمين على الصفحات النشطة.
حسابات صهيونية وهمية لنشر الفتن:
على الصعيد العربي، بدأ الكيان الصهيوني حربه على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مغاير منذ أكثر من عشر سنوات من خلال إنشاء وحدة «حتسف» التابعة لجهاز «الشاباك»، بحسب الموقع الرسمي لإذاعة الجيش الصهيوني، حيث كانت مهمة هذه الوحدة جمع المعلومات المهمة من خلال رصد ومراقبة موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر في الدول العربية، وتحليل التدوينات والتعليقات، لاتخاذ سياسات ووضع تصورات للتعامل مع التطورات في البلدان العربية، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
وفي فبراير 2012م كشفت صحيفة «هأرتس» الصهيونية أن سلاح المخابرات العسكرية الصهيونية «أمان» أنشأ وحدة تحت اسم MI لمراقبة وسائل الإعلام العربية ورصد توجهات الشعوب والتصريحات السياسية، إلى جانب متابعة الصفحات الشخصية للمسئولين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يضع الكيان الصهيوني مراقبة وتحليل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشعوب العربية هدفاً فقط، بل انتقل للمشاركة بشكل مباشر في توجيه دفتها في الاتجاه الذي يحقق مصالحه، عبر إنشاء آلاف الحسابات لأشخاص وهميين باللغة العربية لنشر الفتن بين الشعوب العربية وتشويه القضايا المصيرية. تتم عملية صناعة الفتن على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر تدوينات أو تعليقات باسم شخصية وهمية على أنها من دولة عربية بعينها، حيث يقوم هذا الشخص بكتابة رأيه عن الموضوعات الفاعلة المناصرة لقضايا الأمة بطريقة تحتوي انتقادات لشعب دولة عربية أخرى، وهو ما يثير حفيظة مواطني هذه الدولة التي تتعرض للانتقاد، ويشنون جملة من الانتقادات للدولة الأخرى.
وسرعان ما يتطور الخلاف إلى حالة من السباب والشتائم ينضم إليها مئات وربما آلاف من الشعوب العربية، ويتم تكرار هذا التدخل الوهمي من شخص آخر لسكب المزيد من الزيت على النار مع شعوب أخرى بالطريقة نفسها، إلى أن يتم إفراغ القضية المتداولة من مضمونها وتتحول النقاشات إلى ساحة صراع بين مواطني البلدان العربية بعيداً عن الكيان الصهيوني.
حرب الصور الوهمية
وتنشط أيضاً هذه الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تزامناً مع الهجمات الدامية التي يشنها الكيان الصهيوني، من خلال نشر صور مزيفة لضحايا فلسطينيين، حيث يتم مشاركتها على الفور من الناشطين المناهضين للاحتلال، وبعد انتشارها على نطاق واسع، يتم الكشف عن أنها لا تمت بصلة لهذه الهجمات وأنها من بلد آخر، أو مفبركة، وهو ما يحد من عملية مشاركة الصور الحقيقية الواردة من موقع الأحداث خشية الوقوع في هذه المصيدة.
من بين هذه الخدع، ظهرت صورة لضحايا مدنيين سوريين في إحدى العمليات التي شنها نظام بشار الأسد، وتم نشرها على صفحات وحسابات عربية على أنها لفلسطينيين تعرضوا لهجوم الكيان الصهيوني في عملية «عمود السحاب»، وهو ما أثار حالة تشكيك من جانب الاحتلال في بقية الصور التي رصدت مجازره ضد الفلسطينيين خلال هذه العملية، وتم استغلالها للترويج لزيف الصور الحقيقية للضحايا الفلسطينيين.
الدبلوماسية الرقمية.. محاولة للتطبيع:
لا يتوقف دور الاحتلال الصهيوني على مواقع التواصل الاجتماعي عند حد التدخلات الوهمية ونشر الصور الزائفة، بل يعتمد في هذه الحرب على علم الهندسة المجتمعية الذي يهدف إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة في تغيير المجتمعات ليس فقط من خلال التعرف على أسرارها، ولكن من خلال الدخول في تواصل صريح للتطبيع مع الشعوب العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا المجال، أنشأ الكيان الصهيوني قسم الدبلوماسية الرقمية بوزارة خارجيته للتأثير في الرأي العام، وإقامة علاقة مباشرة مع المواطنين العرب عبر صفحات باللغة العربية تتضمن كتابة منشورات ونشر صور وترجمات من المواد العبرية إلى العربية، لتحسين صورة الكيان المحتل.
تشمل المواد التي يشاركها قسم الدبلوماسية الرقمية معلومات مغلوطة عن حسن معاملة المسلمين داخل الكيان المحتل، وأخرى حول الديمقراطية داخله، لإعطاء صورة للمتلقي العربي بأن هذا الكيان قائم على أسس العدالة والمساواة والحرية التي تنشدها المجتمعات العربية.
وبمجرد دخول المواطن العربي هذه الصفحات للتعبير عن رأيه ولو بالسباب، يكون الكيان الصهيوني قد حقق هدفه بالتطبيع وبدأ أفراده في النقاش بردود دبلوماسية، وأحياناً بفكاهة لكسر حدة الكراهية، كما يتولى آخرون مهمة التعليق على مقالات الكتاب والصحفيين في مسعى لتطوير هذه العلاقة وبدء عملية تطبيع بدعوتهم لزيارة الكيان المحتل، إلى جانب دعوات مماثلة يتم توجيهها لشباب عرب ومسلمين من المقيمين في أوربا.
ومن خلال هذا الاهتمام المكثف من الكيان المحتل بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي واستهداف المناهضين تارة، وتوجيه دفة الرأي العام والسعي للتطبيع مع الشعوب العربية والإسلامية تارة أخرى، لا يمكن الاستهانة بهذه المعركة أو اعتبار ردود الفعل الغاضبة على الفضاء الإلكتروني مجرد ذر للرماد في العيون، بل هي جولة في حرب حقيقية ينبغي أن نهتم بها كما يهتم بها أعداؤنا حتى لا نترك لهم الساحة ليحققوا نصرا جديدا.
يركز فريق صغير أنظاره على العالم العربي وهو يعمل في مساحة صغيرة وحوله عدة خرائط للشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية. وتتركز مهمة الفريق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع العرب بتقبل الدولة اليهودية. يقود الفريق حملة باللغة العربية عبر منصات مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام في إطار مسعى دبلوماسي متعدد المحاور للفوز بالقبول الشعبي في الشرق الأوسط.
فما فائدة نشر تلك الصفحات بأن الكيان الصهيوني توصل لإنجاز علمي يخدم البشرية وهو يحارب البشرية بقتل الأبرياء وارتكاب المجازر بحق المدنيين وما هي الغاية من وضع تقرير صحفي لعمليات جراحية قلبية للأطفال السوريين وهي تقتل منهم دوماً كما حدث أخيرا وتوفي طفل بمنطقة صدنايا بدمشق نتيجة لغارة صهيونية. فالأشخاص والصفحات الرسمية من وزارة خارجية الكيان الصهيوني جنباً إلى جنب مع أدرعي وكوهين في اختراق الشارع العربي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المتضمنة المنصات الأكثر شهرة في العالم.
تباع هذا الأسلوب أدى لاستقطاب عدد غفير من شعوب تلك المناطق التي تجد في تلقفها لمثل تلك الاخبار مرجعاً ذلك بأن لدى شريحة كبيرة من الشارع العربي لديها فكرة أن رجال المخابرات الإسرائيلية يتحدثون عن تقارير أمنية عالية المستوى وفيها من الصحة الكثير وهذا غير صحيح حسب الدلائل التي أظهرتها تحليلات البيانات. فعند متابعة أخبار وتسريبات كوهين على تويتر يتضح للعامة بأنها عارية عن الصحة وأقرب إلى الهزل والخيال.
الأفكار بين أفيخاي وكوهين متشابه ولكن الأسلوب مختلف لتأدية نفس الهدف وهو التقرب واختراق الشارع العربي بأي وسيلة كانت وجعل التطبيع ولو على أساس أي ثمن فكرة عادية وهذا ما يجب أن يتنبه له الشارع العربي ويعمل على محاربته أو مقاطعته كلياً وعدم استضافتهم في المنابر العربية وإتاحة الفرصة لهم للاستغلال الشرخ الحاصل في الدول العربية سعياً منهم لتحقيق مصالحهم ومأربهم في اختراق الشارع العربي والتطبيع معه.
ا