عَلمٌ وعَلم، كلٌ سبر غور علمه، وكلٌ نسيج وحده قريع دهره، وكلٌ عجزت النساء أن يلدن مثله على أرض مصر ، وكلٌ يرقى بمصر إلى مناط العزة والفخر….
فأما أحدهما فقد أشرّقَت فلسطين بمولده، ودثّرت مكة طفولته، وعلى أعتاب المدينة بلغ أشُده، وفي بغداد لقي محنته، فلما انفرجت أساريره، تفجرت في الورى أفانينه، فيمَمّ شطرَه إلى حيث مصر، قاطعاً المُهامةِ والقَفر، ليُفضي فيها شذرات علمه النفيس، مُسَطِراً على نواصيها مَجيدَ اسمه محمد بن إدريس …
ذلكم الشافعي مؤسس علم أصول الفقه، ونازع لواء العلم لذاته جدارةً وكد، من فقيه مصر إذ ذاك الليثُ بن سعد…
يحل اسم الإمام الشافعي على بساط القرطاس في ذاك اليوم، الذي توفي فيه عام 820م ….
محمد بن إدريس الشافعي، عظيم المناقب، موطأ الأكناف رفيع الهامة والمناكب، سليل قريش البهي النقي، الذي ظل تلميذه أحمد بن حنبل يدعوا له دبر كل صلاة، فلما سأله ابنه من هذا الشافعي؟ فقال يا بُني كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للناس، فهل عنهما من عِوضٍ ؟ وكيف لا وهو الشافعي، الألمعي اللوذعي .. الأديب الأريب، صاحب كتاب الرسالة، والأم، الشاعر المطبوع، والخطيب المصقع، وأعظم الفقهاء الأربعة حصافةً وبياناً واستنباطاً وحديثاً وقياساً،،، الذي سماه أهل مكة ناصر الحديث، والذي أحدث ثورة فقهية سامقة في عموم بغداد، مبعثها إصدار الأحكام الفقهية بالدليل النقلي، النابع من الأحاديث المُنقَحة المُنتقاه.. ليحدَ من مسلك البغداديين في الاستنباط القياسي..
وعلى درب الشافعي، مسلكاً وترادفاً اسمياً ورقمياً .. يحل محمد صديق المنشاوي، ضيفاً كريماً على متن هذه السطور.. فقد ولد في نفس يوم وفاة الشافعي، ترادف مكاني مع اختلاف زماني، وكان العشرون من يناير قاسماً بينهما مشتركاً…
آوت مصر تاريخهما ووارت جسديهما الطاهرين، وفاخرت بهما العالمين.. فأنىِ بغيرهما التوق والفخر، هذا فقيهٌ ، ورعٌ، خطيبٌ، مؤلفٌ، بحرٌ لا تكدره الدلاء، لا يفري أحدٌ فريه، هبة الله لمصر ، وذاك أعظم من قرأ القرآن في عموم الديار المصرية غضاً طرياً، خاشعاً بكاءً، ينحت الكلمات نحتاً، ويُفسر مراد الله في حلاوة التلاوة وبراعة الطلاوة حقاً، الذي طاردته الشهرة، وهو لها لا يأبه ولا يكترث…..
رحم الله محمد بن إدريس الشافعي..
رحم الله محمد صديق المنشاوي..