كُلَّما رَأيتُ دَجَاجًا _ مَشوِيًّا أو مَقلِيًّا _ تَذَكَّرتُ هذِهِ الحادِثَةَ في (مُعَسكَرِ تَدريبِ الحِلَّة) _( حادِثَةٌ واقِعِيَّة في عام ١٩٩٨ ) حِينَمَا خَدَمتُ فِيهِ لِبضعَةِ أسَابِيعَ _ بِصِفَتي مُتَدَرِّبًا مِن الَّذينَ دَفَعُوا (البَدَلَ النَّقدِيَّ) _ تَبَرَّعَ لِي بِهِ مَشكُورًا وَمُتَفَضِّلًا شقِيقي الشَّفيقُ العزيز الحبيب الغالي الأستاذ الشَّاعِرُ المُبدِعُ الكَبِيرُ المُثَقَّفُ الفاضِلُ (رَزَّاق عزيز مُسلِم الحسيني) المُحتَرَم _ حينَ كانَ مُدَرِّسًا مُغتَرِبًا يَعمَلُ في الدَّولَةِ العَرَبيَّة الشَّقِيقَةِ ( ليبيا) _ ، وَ كانَتْ مِنْ أتعَسِ أيَّامِ حَياتِي ؛ إِذْ لا أنسَى أنَّ الخُرُوجَ مِنَ المُعسكَرِ يُساوِي عِندِيَ _ وَ عِندَ كُلِّ (إنسانٍ ) لَهُ كَرَامَةٌ وَ يُحُبُّ الحُرِيَّةَ _ الخُرُوجَ مِنَ الجَحِيم ! ، وَ في يَومٍ من التَّدرِيبِ الشَّاقِّ وَ المُذِلِّ _ كانَ نائِبُ العَريفِ يَأمُرُ كُلَّ جُندِيَّينِ بِأَن يَصفَعَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُمَا الآخَرَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ ، عَبَثًا وَ سُخرِيَةً ، وَ كانَ الضَّابِطُ يَصفَعُ أَيَّ جُنديٍّ لِأَقَلِّ سَبَبٍ ، أو يَركُلُهُ بِبسطَالِ قَدَمِهِ مَهمَا كانَ مَريضًا ، وَ كانَتِ العُقُوبَاتُ تَنهَالُ عَلَينَا _ فَضلًا عَنِ السَّبِّ _ بِسَبَبٍ أو بِلا سَبَبٍ بِالضَّربِ وَ الزَّحفِ أو الدَّوَرَانِ حَولَ دَائِرَةٍ أو بِالدَّوَرَانِ حَولَ النَّفسِ في دُوَارٍ رَهِيبٍ تَدُورُ بِهِ الأرضُ مَعَكَ ؛ فَيؤمِنُ بِالأرضِ الكَرَوِيَّةِ الَّتِي تَدُورُ حَولَ نَفسِها وَ حَولَ الشَّمسِ بِنَا مَن كانَ يَعتَقِدُ أنَّ الأَرضَ ثَابِتَةٌ مُسَطَّحَةٌ !!! ، ،
وَ في أَحَدِ أَيَّامِ التَّدريبِ في ذلِكَ المُعسكَرِ ، قُبَيلَ الغُرُوبِ ، سُمِحَ لَنا بِالخُرُوجِ من المُعَسكَرِ وَ المَبِيتِ في بُيُوتِنَا ، وَ لكِنْ وَقَفَ أمَامَ بابِ المُعسكَرِ ( نائِبُ عَريفٍ )_ أتَمَنَّى أن يُحَاكَمَ بِتُهمَةِ ارتِكَابِ جرائم ضِدَّ الإنسَانِيَّة ! _ عُرِفَ بِغِلظَتِهِ وَ قَسَاوَتِهِ وَ شِدَّةٌ تَعامُلِهِ مَعَ الجُنُودِ _ وَ كّدتُ في مَرَّةٍ أن أشتَبِكَ مَعَهُ بِعِرَاكٍ بِالأيدِي ! ، لكنَّ اللهَ سَلَّمَ ، فَلَم أكُنْ أعرِفْ خُطُورَةَ أن أتَشَاجَرَ مع (نائب عريفٍ) في(( الجَيشِ العِرَاقيِّ )) !
، عَلى أيِّ حالٍ .. وَقَفَ ،(نائِبُ العَريف) ذاكَ وَ قَالَ :
_ جاءَتْ مَكرُمَةٌ مِنَ القيادَةِ ، وَ عَشَاءُ الجُنُود اليَومَ هُوَ الدُّجاج ( هكَذَا لَفَظَها بِضَمِّ الدَّال ) ! ، فَمَنْ يَبقَ سَيَتَنَاوَلُ الدُّجَاج !
وَ إِذا بُي أُفاجَأُ بِعَودَةِ أكثَرَ مِن ثَلاثَةِ أربَاعِ الجُنُود إلى المُعسكَر ؛ لِأَجلِ ( الدُّجَاج ) ! … وَ سَمِعتُ أكثَرَ مِن واحِدٍ يَقُولُ :
_ لَم آكُل الدُّجاجَ مُنذُ مُدَّةٍ طَويلَة !
وَ قَالَ لِي أَحَدُ أصدِقائِي الَّذينَ تَعَرَّفتُ عَلَيهِم في ذلِكَ المُعسكَرِ ، بِصَوتٍ خَفِيضٍ ، :
__ شَعبُنَا جَائِعٌ ، وَ كُلُّ هَمِّهِ فِي بَطنِهِ !
فَشَعَرتُ بِقُشَعرِيرَةِ الظُّلمِ الَّذِي وَقَعَ على هذا الشَّعبِ الطَّيِّب وَ مَا يُعانِيهِ مِن كَبتٍ وَ اضطِهَادٍ وَ تَجوِيعٍ ، أَمَّا الطَّاغيةُ ( صدام حسين) وَ عائِلتُهُ فَيَنعَمُونَ بِكُلِّ خَيرَاتِ العِرَاقِ وَ يبنُونَ القُصُورَ وَ الشَّعبُ يَبِيعُ أثاثَهُ لِكَي يَأكُلَ ، وَ يَتَسَوَّلُ العَشَرَاتُ مِنَ النَّاسِ في كُلِّ شَارِعٍ في بَلَدٍ يُعَدُّ مِن أغنَى الدُّوَلِ بِالنِّفط !
أمَّا أنا فَقَد كَرِهتُ( الدُّجَاجَ )مُنذُ تِلكَ اللَّحظَةِ وَ رَكِضتُ إلى أحضَانِ أمِّي !!!
فَكَتَبتُ بِتِلكَ الحَادِثَةِ هذهِ الأبيَاتَ الشِّعريَّةَ ، مِن بَحرِ( مَجزُوء الرَّجَز ):
كَلامُنَا هُرَاءْ
حَيَاتُنَا هَبَاءْ !
تَصنَعُ ما شَاءَتْ بِنَا
وَ لَيسَ مَا نَشَاءْ !
فَيَومُنا كَأَمسِنَا
وَ الصُّبْحُ كَالمَسَاءْ !
حَتَّى كَأَنَّنَا بِهَا
نَسِيرُ لِلوَرَاءْ !
لَقَد سَئِمْنا جَوَّهَا
في الصَّيفِ وَ الشِّتَاءْ !
يا لَيتَ أَنَّا لَم نَكُنْ
فِيهَا ذَوِي رَجَاءْ !
وَ لَم نَكُنْ نُحِبُّهَا
وَ نَعشَقُ البَقاءْ !
إِنْ هِيَ دامَتْ هكَذَا
فَالخَيْرُ في الفَنَاءْ !
فَكُلُّ ما فِيهَا ضَنًى
وَ كُلُّهَا عَنَاءْ !
شَرَابُنَا دُمُوعُنَا
سُلوَتُنا البُكَاءْ !
حَياتُنا زائِفَةٌ
فَارِغَةُ الإِنَاءْ !
غادِرَةٌ مَاكِرَةٌ
لَا تَعرِفُ الوَفَاءْ !
فِيهَا ظَلامٌ دَامِسٌ
لَيسَ بِهَا ضِيَاءْ !
دَمِيمَةٌ ذَمِيمَةٌ
لَيسَ بِهَا بَهَاءْ !
مَرِيضَةٌ وَ داؤهَا
لَيسَ لَهُ شِفَاءْ !
وَ( قَائِدٍ ) يَقُودُنَا
حَتمًا إلَى الشَّقَاءْ !
يُتقِنُ هَدْمًا دائِمًا
لا يَعرِفُ البِنَاءْ !
وَ لا يَمُرُّ يَومُهُ
فِينَا بِلَا دِمَاءْ !
تُحرِقُنَا حُرُوبُهُ
كَأَنَّنَا شُوَاءْ !
وَ كُلُّ ذُئبٍ خَلفَهُ
يَعلُو لَهُ العُوَاءْ !
يُصَفِّقُ (الحِزبُ ) لَهُ
وَ يَصدَحُ الغِنَاءْ :
( قَائِدُنَا حَبِيبُنَا
أنتَ لَنَا الهَوَاءْ ) !
إِنِّي رَأيتُ عَقلَهُ
أغبَى مِنَ الغَبَاءْ !
إِذَا أنَا هَجَوتُهُ
أَهجُو بِهِ الهِجَاءْ !
مُقتَبَسَةٌ من روايتي القصيرة المَخطُوطَة( الأُجاج )