إذا كان الراحل العَلَم د.عبدالحميد يونس، رحمه الله، قد رَادَ دراسة الأدب الشعبي بالجامعة المصرية، ورسخ مناهج دراسة الأدب الشعبي وفنونه، مقررة على الطلاب في مرحلة باكرة من تاريخ الجامعة، وبخاصة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، عبر أبحاثه منذ كان طالبا في الدراسات العليا، ممثلة في دراستيه الأكاديميين: “الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي” و”الظاهر بيبرس في الأدب الشعبي”، ثم كتبه الأخرى من مثل: “الحكاية الشعبية”، و”خيال الظل”، و”الأسطورة والفن الشعبي”، و”قاموس الفلكلور”، وغيرها من كتبه، ومقالاته التي نشرت في الدوريات والمجلات التي كانت تصدر في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وإذا كانت التلميذة النجيبة لطه حسين، والأستاذة الأكاديمية المرموقة د.سهير القلماوي، رحمها الله، قد سارت على الدرب، وخطت خطوة كبرى في دراسة أدبنا الشعبي، عبر دراستها القيمة عن “ألف ليلة وليلة”، بحيث درست مجتمع ألف ليلة وليلة، بشخصياته الخيرة والشريرة، ووضعية المرأة في الليالي، والقهر والجنس، وعلاقة الرجل بالمرأة، ونقد مجتمع الليالي، والروايات المتعددة لها، وغيرها من قضايا المجتمع العربي كما تجلت في الليالي.
وإذا كانت التلميذة النجيبة الأخرى د.نبيلة إبراهيم قد انطلقت محلقة إلى آفاق متقدمة في دراسة أدبنا الشعبي، بمناهج حديثة مقارنة، أثرت بها عالم هذا الأدب الخارق والماتع، في آن، وذلك عبر دراستها عن: سيرة الأميرة ذات الهمة.. دراسة مقارنة، وأيضا مؤلفاتها من مثل: “أشكال التعبير في الأدب الشعبي”، و”قصصنا الشعبي بين الرومانسية والواقعية”، و”الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق”، و”المقومات الجمالية للتعبير الشعبي”، و”البطولات العربية والذاكرة التاريخية”، و”الكون والإنسان في التعبير الشعبي”، و”فن القص بين النظرية والتطبيق”، وغيرها من المؤلفات والأبحاث القيمة، التي امتدت إلى دراسة الرواية والسرد الروائي.
وإذا كان التلميذ، العالم الجليل الراحل د. محمد رجب النجار قد حاز قصب السبق في الدراسة التحليلية الموسوعية للملاحم الشعبية العربية الكبرى، عبر دراساته عن: البطل في الملاحم الشعبية العربية، و “حكايات الشاطر والعيارين في التراث العربي”، و “‘الشعر الشعبي الساخر في عصور المماليك”، و”جحا العربي”، و”توفيق الحكيم والأدب الشعبي: أنماط من التراث الفولكلوري”، و”الأدب الملحمي في التراث العربي”، و”فولكلور الحج”، و” التراث القصصي في الأدب العربي.. دراسة سوسيوثقافية”، وغيرها الكثير.
لكن الراحل د.أحمد شمس الدين الحجاجي قد اهتم بدراسة التأثير والتأثر، والدراسة البينية للأدب الشعبي والأجناس الأدبية الأخرى، الرسمية والشعبية، إذا جاز القول. وقد تجلى ذلك في دراسته الرائدة عن “الأسطورة في المسرح المصري المعاصر”، الذي درس فيه توظيف الأسطورة في الأدب المسرحي المعاصر في مصر، وأثره في بناء النص المسرحي منذ العام ١٩٣٣- ١٩٧٠م، وقد شكلت هذه الدراسة التحليلية القيمة لبنة أساسية من لبنات المكتبة النقدية العربية، بحيث كانت نبراسا وضوءا كاشفا لكثير من الدارسين بعد ذلك، كما كانت دراسته عن “‘النقد المسرحي في مصر” عمدة لكثير من دارسي الأدب المسرحي في فتراته الباكرة في مصر. والأمر كذلك في دراسته القيمة عن: المسرحية الشعرية في الأدب العربي، و”مدخل إلى المسرح العربي”، و”العرب وفن المسرح”.
وقد ظل شمس الحجاجي – يرحمه الله- وفيا لدراسة الأدب الشعبي، مجددا فيما طرحه من قضايا دراسته، متأملا في جمالياته وخباياه وأسراره، فأخرج لنا كتبا مهمة ركزت على ظواهر جديدة بتوسع، بعد أن مر عليها سابقوه ذكرا فحسب، ولعل من يقرأ كتب: “مولد البطل في السيرة الشعبية”، و”النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية”، و” والأسطورة في الأدب العربي”، يتضح له ذلك التجديد الموضوعاتي، والتركيز على دراسة التيمات المميزة لبناء الأدب الشعبي.
ولم يقصر الحجاجي اهتمامه على دراسة النقد الأدبي والأدب الشعبي، بل كان له نصيب من الإبداع، فأصدر رواية “سيرة الشيخ نور الدين”، التي ذاعت شهرتها وتناولها النقاد والدارسون بالتحليل والدراسة.
من ثم يمكننا القول: إن الحجاجي بهذا الصنيع يعد امتدادا لشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، في دراسة الأدب الشعبي، وأدبنا العربي بعامة، بدءا بالقلماوي ثم عبدالحميد يونس، وانتهاء بكل تلامذتهما حتى الآن.