أصدر الكاتب الجزائري “تامر عراب” حديثا كتابا جديدا موسوما بـ : “ابتسامة الموناليزا” بعد مرور عامين على آخر إصدار له “عليك الحداد”، ويبرز نمط الاختلاف الذي يقصده المؤلف في كتابه هذا من خلال الانحراف عن مسيرته الأدبيّة إلى المسيرة الفكريّة، ولعلّ السبب البارز في ذلك كما يوضّح الكاتب هو تخصّصه الجامعي “نقد حديث ومعاصر”.
يبرز عنوان “ابتسامة الموناليزا” بالبحث عن الغموض، وتكمن رمزيّة العنوان في قضية شائكة سعى المؤرخون لحلّها طوال سنوات طويلة ألا وهي شيفرة الموناليزا والتي تختفي خلف ابتسامة هذه اللوحة العالميّة للرسّام الإيطالي “ليوناردو دافنشي”، ويتماشى غلاف الكتاب مع سيميائيّة العنوان وما يوحي إليه، فهل سعى المؤلف لحلّ هذه القضيّة الشائكة ؟ أم أنّ كل أسرار العالم الموازي تختفي خلف تلك الابتسامة الماكرة ؟
يناقش المؤلف في مقدمة قصيرة قضايا العالم الموازي والأوهام التي تحيط به كهالة من الاعتقادات السائدة سعيّا نحو تقويضها، وينتهج نهج الفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو” في قراءة الأحداث كجزء من التاريخ، وقراءة التاريخ بنسق معرفي كشفي بعيدا عن سياقات الأكاديميّة السامّة، ويعترف بفضل هذا الفيلسوف عليه ومدى عرفانه له بصحوته الفكريّة، والحقيقة الهدف الأسمى لهذا الكتاب ورسالته الشك في المألوف، غير أنّ الحقيقة التي يكشفها المؤلف تبقى وجهة نظره كما يؤكدّ، ووجهة النظر تخطئ وتصيب، وتبقى الحقيقة خاصّة بحقبة معيّنة بكل سياقاتها المعرفيّة تحت قاعدة خضوع المعرفة للسلطة.
يفصّل المؤلف كتابه بطريقة أكاديميّة، غير أنّه خرج عن السياق الصارم ليكون أكثر إبداعيّة، ويحلّل أفكاره ويناقشها في مقالات علميّة إبداعيّة تحليليّة، يأتي المقال الرئيسي الموسوم بنفس عنوان الكتاب “ابتسامة الموناليزا” ويكشف فيه الأسرار المتوارية خلف هذه الابتسامة، بل يعود ليطرح مدى مصداقيّة وجود هذه الابتسامة التي لطالما رسمت لنا وعيّا قائما حول هذه اللوحة، وعلى غرار لوحة الموناليزا؛ يكشف المؤلف أسرار بعض اللوحات العالميّة كلوحة “ليلة النجوم” للفنان العالمي “فان جوخ”.
ابدأ بالتفكير ..
بعد الكشف عن الفن وأسراره، يدفع المؤلف القارئ للتفكير بدءا بالشك في الصور الأوليّة التي يملكها عن الفلسفة ومعظم فلاسفة القرن 20 أو عصر ما بعد الحداثة، كالفيلسوف “فريدريك نيتشه” و”ميشال فوكو” وغيرهما، بالكشف عن صور نمطيّة من حياتهم والسياقات التي عاشوا في كنفها والتي دفعتهم لطرح أفكارهم التقويضية والتي كانت سببا رئيسيّا لإعادة النظر في معظم المعطيات المطروحة كالفلسفة العقلانيّة.
ولا يلبث إلى أن يعود المؤلف إلى زوايا أخرى كحالة وجوب إعادة النظر إلى الأشرار الذين آلفانهم في السينما وبين ثنايا الروايات كدراكولا وفرانكشتاين لينتقل إلى الترند في الأفلام الأخيرة التي أحدثت ثورة على السوشيل ميديا.
يتمحور الكتاب ككل حول قضيّة أساسيّة “إشكاليّة الهويّة” ومدى مطابقة المفاهيم السائدة لحقيقة الحقبة التاريخيّة التي نحيا في كنفها ويعزو فكره إلى الجنون الفوكوي موضحا أنّ الخروج عن القالب الاجتماعي وقوقعة التفكير السائد هو الجنون بحدّ ذاته، انطلق من رحلة ميشال فوكو ليكمل ما بدأه هذا الفيلسوف في مواجهة عقدة التسلّط على المعرفة وملازمة التاريخ.