بعد أن قطع خمسة أدوار صعودا قاصدا شقة والدته في آخر دور من العمارة اكتشف أنه قد نسي أن يبتاع لها هدية في عيدها والذي سيكون بعد يوم واحد .
الإرهاق والتعب من يوم عمل طويل شتت تركيزه لكن ذلك الإرهاق لم يسمح له أيضا بنزول خمسة أدوار لشراء هدية والعودة صعودا.
جلس على أحدى درجات السلم ،أخرج ورقة وقلم ،وكتب
ست الحبايب ياحبيبة
ياأغلى من روحي ودمي
ياحنينة وكلك طيبة
يارب يخليكي يا أمي
إلى نهاية القصيدة ثم أكمل طريقه صعودا ،طرق الباب، قبلها على جبينها قائلا
_( بكرا عيد الأم ودي هديتي ليكي ياأحن أم في الدنيا)
قرأتها فتدحرجت الدموع على خديها
_(طب دي كتبتها ليا ولا حياخدوها يغنوها بردو؟)
_(هي ليكي ، بس لو بتحبي ابعتها دلوقتي يلحنوها ويغنوها ياست الحبايب انتي)
_(ايوا ياحسين انا عاوزاها تتغنى وتسمعها كل الناس )
أمسك سماعة الهاتف في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل من يوم ٢٠ مارس ١٩٥٨ واتصل الشاعر حسين السيد بمحمد عبد الوهاب وقرأ عليه كلمات قصيدة ست الحبايب وطلب منه أن يلحنها إكراما لوالدته واغلق الهاتف .
ليتفاجئ في الساعة العاشرة مساء من يوم ٢١ مارس أي في اليوم التالي بفائزة أحمد وهي تصدح عبر إذاعة القاهرة بأحن ماكتبه من كلمات وأروع لحن لمحمد عبد الوهاب أغنية ست الحبايب ،الأغنية التي أصبحت النشيد الوطني لعيد الأم .
في خضم فرحته العارمة أتصل بعبد الوهاب قائلا
_(هو ازاي ده حصل ياصاحبي ده انا اديتك القصيدة امبارح معقول الاقيها النهارده تحفة فنية بتتذاع كده وباأجمل صوت ،فايزة الملاك!!)
_(انا كتبت الكلمات ياحسين وانت بتقراها ليا في التلفون واتصلت بفايزة دغري ده انا لحنتها في ١٥ دقيقة وفضلنا طول الليل ندرب عليها فايزة لحد محفظتها وراحت الصبح الإذاعة وسجلتها هناك )
تخيلوا أن أعظم أغنية للأم تصدر من ثلاثة عظماء في الفن بصدفة غريبة ،أعتقد أن الكون يتحد ويهيئ الظروف لولادة الأشياء العظيمة .
(ولو عشت طول عمري
اوفي جمايلك الغالية عليه اجيب منين عمري يكفي والاقي فين اغلى هدية)