يمثّل التمكين الاقتصادي للشباب موردًا مهمًا لأمن المجتمع واستقراره، فمن شأنه تمهيد الطريق لجعل تلك الفئة قوة دافعة للنهوض بالمجتمع وحمايته من الاضطرابات نتيجة ما توفره المبادرات من فرص عمل لتشغيل الشباب وتحسين جودة حياتهم المعيشية، إضافةً إلى حماية هؤلاء الشباب من البدائل غير الآمنة كالهجرة غير الشرعية. استغلال الثروة الشبابية بمصر يتطلب تضافر كافة الجهود، سواء من قبل الحكومة بتدشين مزيد من المبادرات التي تسهم في مزيد من الاستهداف النوعي والجغرافي للشباب، حتى وإن تطلب الأمر إصدار استراتيجية شبابية، يمكن من خلالها تحديد التحديات والفرص الممكنة لتمكين الشباب من خلال مؤشرات كمية ونوعية للأمر.
كذلك يجب على القطاع الخاص الإسهام في استيعاب الشباب حديث التخرج، وتحقيق بيئة عمل لائقة لهم. ويُقترح أن تقدم الحكومة حوافز ضريبية للشركات التي تقوم بتوظيف نسبة معينة من خريجي الجامعات، ليتدربوا فيها لفترة محددة تحتسب لهم عند التوظيف الفعلي، ويحصلون من خلالها على شهادة تدريب لكسر حاجز وجود الخبرة الذي تشترطه معظم الشركات. وعلى المجتمع المدني كذلك توجيه مزيد من جهوده في تدريب وتأهيل الشباب للانخراط في سوق العمل، وتعويض الفجوة بين مكتسبات التعليم واحتياجات سوق العمل.
فقد مثّلت الفترة ما بين عام 2014 وعام 2024 مرحلة التحول الحقيقية في مجال تمكين الشباب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ولا غرابة في القول، بأن الشباب خلال هذه المرحلة كان موضع اهتمام ومحل ثقة من قِبل أعلى مستويات السلطة في البلاد، فلم يتوقف الأمر عند مرحلة التمكين الاقتصادي والاجتماعي، بل امتد إلى المجالين السياسي والإداري،
ويدل على ذلك تولي العديد من الشباب خلال هذه المرحلة للمناصب القيادية على المستويات التنفيذية المختلفة كمعاونين ومساعدين ونواب للوزراء والمحافظين، وتمثيلهم في الهيئات النيابية كأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، فضلًا عن استمرار تواصلهم عبر القنوات المختلفة للتعبير عن آرائهم وطرح أفكارهم ومشاكلهم مع الأجيال الأكبر سنًا ومع صناع القرار، في حوارات مفتوحة، كما هو الحال في المؤتمرات الوطنية للشباب، والحوار الوطني.
بالتوازي مع انتهاج سياسات التمكين الاقتصادي، تبنت الجمهورية الجديدة سياسات التمكين الاجتماعي بهدف تلبية احتياجات الشباب وتنمية مشاعر الثقة بالنفس لديهم، بما يسهم في عملية اندماجهم في المجتمع والقدرة على المشاركة في عملية صنع القرار، وبرز ذلك في مجال تحسين جودة التعليم وبناء القدرات وتطوير المنظومة الصحية وتوفير السكن المناسب وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومبادرة التحالف الوطني للعمل الأهلي وغيرها من المبادرات التي تسهم في تحقيق التعبئة الاجتماعية. وفي هذا السياق يمكن عرض أبرز سياسات التمكين الاجتماعي للشباب بالتركيز على مجالي التعليم والإسكان.
وفي إطار الاهتمام بتطوير المحتوى العلمي في كل بيت مصري، تم تدشين “بنك المعرفة” والذي يمثل أكبر مكتبة رقمية في العالم، ويعمل على إتاحة الموسوعات العلمية والمناهج التعليمية والأبحاث بهدف تثقيف وتعليم وتنمية مهارات النشء والباحثين الشباب باختلاف فئاتهم العمرية. وخلال السنوات الماضية استطاعت منصة بنك المعرفة تلبية احتياجات النشء والشباب، فوصل التفاعل مع المنصة نحو 25 مليون مستخدم، كما تجاوزت عمليات الاطلاع وتحميل المستندات أكثر من 350 مليون مستند
أدت سياسات التمكين الاجتماعي من خلال تحسين جودة التعليم وتوفير السكن الملائم، إلى تهيئة المناخ النفسي وتوفير المعايير المعيشية اللائقة للشباب المصري على النحو الذي يمكنهم من الحراك الاجتماعي، ليصبحوا قادرين على الإنتاج والإبداع وخلق القيمة المضافة. تعزيز النمو الاقتصادي المطرّد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، والعمل اللائق للجميع. تنفذ “صلتك” باستمرار أدوات وبرامج جديدة ومبتكرة لتمكين الشباب من خلال التوجيه المهني والتدريب المهني للتوظيف المباشر. تعمل المنظمة أيضًا على دعم الأنشطة المدرة للدخل من خلال التعاون مع المؤسسات المالية ومؤسسات المشروعات الصغرى. يشتمل برنامج تطوير المؤسسات على توفير ضمانات القروض، فضلاً عن تدريب رواد الأعمال وبناء قدراتهم من خلال المبادرات التي تم تطويرها بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
أضفت الدولة المصرية حماية واهتماماً خاصاً بتمكين ورعاية الشباب في الوثيقة الدستورية 2014. حيث نص الباب الثالث من الدستور المصري (الخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة)، في المادة 82 على أن : «تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة».
وفي الفصل الثاني المتعلق بالسلطة التنفيذية، فرع الإدارة المحلية. كما نصت المادة 180 من الدستور على أن: «تنتخب كل وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السري المباشر، لمدة أربع سنوات، ويُشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية ،وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب،
على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلاً مناسباً للمسيحيين وذوي الإعاقة».
في هذا السياق، يستجيب مشروع تمكين الشباب من أجل التأثير الاجتماعي للقضايا الرئيسية بهدف تعزيز عمالة الشباب. ويتحقق ذلك من خلال تمكين الشباب وإشراكهم في ريادة الأعمال الابتكارية من أجل التأثير الاجتماعي. كما يعزز المشروع الإدماج وتمكين المرأة في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية هذه. الاهتمام بالشباب يعد ركيزة أساسية في خطة الدولة واستراتيجيتها لبناء الإنسان المصري، لما لهم من دور في بناء المستقبل وتعزيز التطور والتنمية، وكونهم إحدى المزايا التنافسية للاقتصاد المصري. واستغلالًا لهذه الميزة، اتخذت الحكومة المصرية عدة خطى رصينة لإعداد وتأهيل وتمكين الشباب سياسيًا، وإداريًا، واقتصاديًا، بعد سنوات عانوا فيها من التهميش وغياب الفرص.
خلال السنوات الأخيرة، أولت القيادة والحكومة المصرية اهتمامًا بالغًا بالشباب، خاصة فيما يتعلق التمكين السياسي والإداري، ولوحظ الحضور الشبابي لأول مرة على ساحة السياسة المصرية، فتم العمل على إعدادهم وتحفيزهم للمشاركة في تولي مهام العمل السياسي والتنفيذي والإداري بالدولة. وتبوأ الكثير منهم مناصب قيادية عليا –ما بين محافظين، ونواب محافظين أو وزراء أو نواب بمجلسي النواب والشيوخ- إيمانًا بدورهم في مختلف المجالات التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
وكذلك، كان للتمكين الاقتصادي للشباب نصيب وافر من اهتمام الدولة، من خلال توفير فرص عمل جديدة لهم من خلال المشروعات القومية العملاقة واستصلاح الأراضي، وتوفير المسكن المناسب لأحوالهم الاقتصادية عبر مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تغطى معظم المحافظات.
فالتمكين الاقتصادي للشباب يستهدف بالدرجة الأولى التشغيل وتوفير فرص عمل وخفض نسب البطالة، سواء كان ذلك من خلال خلق فرص عمل بدعم النشاط الاستثماري بالدولة، أو إقامة مشروعات قومية تستوعب أعداد البطالة، أو من خلال تبني الأفكار والمشاريع الريادية التي توفر فرص عمل، أو الاهتمام بمشروعات التخرج الجامعية المميزة التي توائم متطلبات العصر الحالي، وتوظيفها لحل المشاكل الاقتصادية.
ويمنح هذا التمكين للشباب الاستقلالية الشخصية والمالية، ويعزز قدرتهم على التعبير عن آرائهم وتوجهاتهم، دون منغصات أو أمور تشغلهم. ويحميهم من الانجراف باتجاه ممارسات خاطئة تؤذيهم والمجتمع، وتكون لها آثار سلبية وخيمة، مثل تزايد معدلات الجريمة والإدمان والجنوح إلى التطرف. وتعتمد الاستراتيجية على خمسة مجالات رئيسية هي: فتح طرق جديدة للانخراط مع الشباب وإشراكهم وتعزيز أصواتهم؛ زيادة تركيز الأمم المتحدة على حصول الشباب على التعليم والخدمات الصحية؛ وضع تمكين الشباب اقتصاديًا في مقدمة استراتيجيات الأمم المتحدة التنموية، من خلال التركيز على التدريب والوظائف؛ العمل بجد لضمان احترام حقوق الشباب وتعزيز مشاركتهم المدنية والسياسية؛ ومنح الأولوية لدعم الشباب في الصراعات والأزمات الإنسانية، بما في ذلك مشاركتهم في عمليات السلام.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان