ترتبط مراحل الأمن الفكرى بما يحقق الغرض منها؛ حيث ما تسفر عنه المناقشة من نتائج يتم بلورتها؛ فإنها تقدم لنا صورة المسار الذى ينبغى أن نستكمل خطواته؛ فإذا ما كان هناك صلاح وإصلاح للفكر المنحرف لدى الفرد أو الجماعة؛ فهذا يعنى حاجتنا لتعزيز الفكر الصحيح بمزيد من الممارسات الإيجابية فى إطار فعاليات جاذبة ومختلفة تُسهم فى دعم التوعية لدى الفئة المستهدفة، ومن ثم نضمن صقل الخبرات الصحيحة بما تشمله من معارف غير مشوبة، وما يتعلق بها من ممارسات سوية، ووجدان يوصف بأنه صحيح.
وفى المقابل قد نواجه فشلًا فى نتيجة الحوار مع الفئة المستهدفة، يحتم ضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية التى تبدأ بما أقره الدستور والقانون؛ حيث إن تكدير السلم المجتمعى تتخذ حياله الدولة متمثلة فى سلطاتها التشريعية والتنفيذية ما يلزم من إجراءات تحافظ بها على أمن البلاد القومي، وبالطبع لا نلجأ إلى هذا المعترك إلا بعد استنفاذ كافة المحاولات التى تتضمن أساليب وطرائق المواجهة المختلفة والمستهدفة لتصحيح الفكر المنحرف، من قبل المؤسسات المعنية بهذا الأمر ووفق ضوابط ومراحل وخطوات تعمل على إقناع الطرف الآخر بالعدول عن انحرافه.
وإذا لم تحقق المرحلة التقويمية السابقة غايتها فى ضوء ما تحمله من علاجات؛ فإنه يتوجب أن نبدأ فى مرحلة لا مناص عنها؛ كى نفرض حالة الأمن الفكرى فى ربوع الوطن لدى مجتمع مسالم يؤمن بالتعايش السلمى ويعتنق الوسطية فى شتى أمور الحياتية والعقائدية، وهنا تقوم مؤسسات الدولة القانونية بدورها؛ حيث المساءلة ومن بعدها المحاسبية لمن يعتنقون الفكر المنحرف؛ فيتم توجيه الاتهام لهم، وبعد إدانتهم وإصدار الأحكام المنصوص عليها، تؤدى السلطات التنفيذية ما عليها، وبالطبع يساعد ذلك مجتمعًا على وقف المزيد من المناصرة لأصحاب الفكر المنحرف، وكذلك بتر طرائق زيادة اتباعهم ومريديهم.
وفلسفة التقويم تشير إلى أن طريق العلاج ما يزال قائمًا رغم الوصول لمرحلة الاستقرار وتعضيد الأمن الفكرى فى البلاد؛ فلا نترك أصحاب الفكر المنحرف فى منعزل بعد تقييد حركتهم؛ حيث ينبغى أن تقدم لهم البرامج العلاجية التى تستهدف دحر أفكارهم غير الصحيحة، وفق مبدأ المحاججة؛ لنصل إلى حالة الاقتناع، ومن ثم تعديل المعوج من هذا الفكر، ولو استلزم ذلك جهود مضنية وعقود من الزمن.
ونود أن نشير إلى دور أصحاب الخبرة فى مجال تصويب الفهم المغلوط والمغاير لصحيح المعتقد وقيم المجتمع النبيلة، وهؤلاء هم العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية؛ فقد أثبتت التجربة المصرية المتفردة نجاحًا مبهرًا فى تقويم منهج أصحاب الفكر المنحرف؛ حيث عقدت الجلسات المخططة فى أماكن تقييد حريتهم، وبعد مقارعة ومقابلة الحجة بالحجة، وتفيد الأفكار غير الصحيحة، بدأ أصحاب المناهج المغلوط فى الاعتراف بخطأ الطريق، ومن ثم سهلت العودة للمسار الصحيح.
وليس معنى روجع أو عدول الفرد عن فكرته المغلوطة أننا نطمئن لحالة بصورة مطلقة؛ فالتجربة تؤكد على ضرورة مواصلة التقويم المستمر والمتابعة المتواصلة، مع العمل على انخراطه فى المجتمع من خلال مهام وأداءات يقوم بها؛ كى يستشعر أهميته، ومن ثم نضمن ولائه وانتمائه للوطن، ويدرك أن الاستقرار يقوم على الفكر القويم، وأن دعامته الرئيسة تكم فى الأمن الفكري.
وهنا نود الإشارة إلى أن التوعية المستمرة والمتواصلة أمر وجوبي، وتقع على الجميع دون استثناء؛ إذ تبدأ بالأسرة مرورًا بالمؤسسة التعليمية التى تمتلك من الأدوات ما تشكل به الوعى الصحيح منذ المهد؛ بالإضافة لدور المؤسسات المجتمعية بمختلف تنوعاتها، وفى هذا الخضم نؤكد على أهمية التنسيق والتواصل الفعال بين مؤسسات الدولة تجاه تعضيد الأمن الفكري، والذى يشكل لبنة الأمن القومى المصري.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.