بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر، انشقّت الدعوة الإسماعيلية كنتيجة للصراع الذي نشأ بين ولدَيه نزار وأحمد. وبفضل دعم والد زوجته الوزير القوي بدر الجمالي، ظفر أحمد بالمنصب، وقُتل نزار.
هذا التطور لم يُرضِ عدداً من أتباع نزار المؤمنين بأحقيته -وأحقّية ذريته من بعده- في الإمامة. عاصر هذه الأحداث الداعية الإسماعيلي الحسن بن الصبّاح الذي وفد إلى مصر واطّلع على الصراع عن قُرب، وشاهد انتصار أحمد وتوليه الإمامة ملقّباً نفسه “المستعلي”. مثّلت هذه اللحظة الإعلان الرسمي لانقسام الفاطميين إلى فريقين: المستعلية (أنصار الإمام الغالب)، والنزارية (أنصار الإمام المغلوب)، حسب ما ذكر ظافر أكرم قدوري، في أطروحته “الاتجاهات السياسية والفكرية عند الحشاشين وأثرها على بلاد المشرق وبلاد الشام”.
بحسب المرويات، فإن الصبّاح بدأ نشاطه للدعوة إلى نزار في مصر، حتى ضاق منه الوزير الجمالي، فأخرجه مطروداً إلى المغرب. لكن المركب الذي استقلّه تعرّض لعاصفة هوجاء قادته إلى الشام.
بلاد الشام المضطربة
في تلك الفترة، عاش العالم الإسلامي أوضاعاً شديدة الاضطراب بعدما تسلّل الضعف إلى الخلافة العباسية في بغداد، واستمرّت بفضل دعم السلاجقة لها فحسب. أيضاً في مصر مرّت الخلافة الفاطمية بواحدة من أضعف مراحلها بسبب المجاعات والأزمات السياسية التي فتّتت بنيانها وكانت سبباً في زوال الحُكم الشيعي في مصر لاحقاً.
بعكس ما هو شائع، فإن الحشاشين لم يرتكزوا في قلاع إيران وحسب، إنما نجحوا أيضاً في التمدد داخل بلاد الشام متّبعين الأسلوب نفسه في اعتزال المدن الكبيرة والسكن في القلاع الحصينة المعزولة
هذه الأجواء كانت مثاليةً لظهور محاولات من بعض الأمراء المسلمين للاستقلال بدولهم عن حُكم الخلافة، وإقامة دويلات صغيرة تابعة اسمياً للعباسيين مثلما فعل السامانيون والصفاريون.
وفي الوقت الذي نجح فيه الصباح في إقامة دويلة من قلاع حصينة عدة في فارس، أبرزها ألَموت، شمال غربي إيران وبالقرب من قزوين، فإن السلاجقة سيطروا تماماً على مقدرات الخلافة، وباتوا العمود الفقري الذي استندت إليه بعدما أنهوا حُكم البويهيين لبغداد، وأقاموا دولةً كبيرةً امتدت حدودها من الصين شرقاً إلى الشام غرباً، ومن تركستان شمالاً إلى اليمن جنوباً، وداخل هذا البنيان العملاق، أقام الحشاشون بؤرةً خارجةً عن سيطرتهم متحصنين في قلاعها الجبلية.
ازدادت أوضاع المنطقة المتأزمة سوءاً بظهور الصليبيين، بدءاً من سنة 490هـ/1096م، ونجاحهم في السيطرة على أنطاكية ومناطق أخرى، معلنين ظهورهم كلاعب رئيسي في المنطقة.
الصباح وأتباعه في بلاد الشام
بعكس ما هو شائع، فإن الحشاشين لم يرتكزوا في قلاع إيران وحسب، إنما نجحوا أيضاً في التمدد داخل بلاد الشام متّبعين الأسلوب نفسه في اعتزال المدن الكبيرة والسكن في القلاع الحصينة المعزولة.
بحسب قدوري، فإن الصبّاح حلم باللحظة التي يُدخِل فيها مصر إلى “الحظيرة النزارية”، ولما كانت هذه الخطوة صعبةً بسبب نجاح المستعلية في الاستيلاء عليها وقمعها أيَّ محاولة لنشر دعوة خلاف دعوتها بكلّ شدة، فكّر في اتخاذ قاعدة قريبة منها، فتوجّه نحو سوريا التي سكنت في أجزائها الغربية جالية شيعية وفّرت حاضنةً شعبيةً لأفكاره.
يضيف قدوري: “الطبيعة الوعرة وطبيعة الجغرافيا فيها بما تشمله من جبال وصحارى وهضاب كانتا عاملين مهمين دفعا الحسن للتركيز على بلاد الشام”.
بذل الصباح جهداً كبيراً في التنقل بين مدن الشام لدراسة أحوال أهلها ودعوتهم إلى دعوته، واستغلَّ في ذلك بعض الدعاة الإسماعيليين القدامى الذين بثّتهم الدولة الفاطمية سابقاً بين أهل الشام وَرَعتْ أنشطتهم الترويجية لأجندتها الشيعية.
بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة
مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.
من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.
لنتحرّر من قيودنا!
بعدما قرّر الصباح الرحيل إلى ألَموت، خلّف وراءه دعاةً أقوياء قادرين على استكمال مسيرته، على رأسهم أبو الفتح السرميني والحكيم أسعد وأبو طاهر الصائغ ذو الأصول الفارسية، وقد ذكر الأخيرَين ابن المؤرخ القلانسي في كتابه “ذيل تاريخ دمشق”، قائلاً إنهما “أول مَن أظهر هذا المذهب بالشام”، واستمالا إليه الناس واستقطبوهم “بالخدع والمحاولات ومال إليهم خلقٌ كثير من الإسماعيلية”.
في ذلك الوقت، كانت الشام خاضعةً لسيادة السلاجقة الذين نصّبوا أمراء تابعين لهم على مُدنها، أهمهم الأخوَان رضوان ودقاق، وهما ولدا تتش بن ألب أرسلان، شقيق الملك الذي أخضع الشام لسيطرة السلاجقة، وعقب رحيله تقاسما حُكم الشام؛ تقلّد دقاق إدارة دمشق، فيما حظي رضوان بحلب، وتولّى إدارة حمص الأمير حسين بن ملاعب الأشهبي.
أبدى رضوان بن تتش، تذبذباً في موقفه السياسي؛ فتارةً أيّد الفاطميين وتارةً أخرى دعم العباسيين، لذا وضعه الحشاشون نُصب أعينهم حتى اجتذبه داعيتهم الحكيم أسعد إلى صفوفهم، ليكون أول حاكم سلجوقي يعلن تأييده لحركة الحشاشين.
في سبيل خدمة رضوان، نفّذ الحشاشون جريمتهم السياسية الأولى في الشام، بعدما اغتالوا حاكم حمص، برغم أنه كان حينها في طريقه إلى قتال الصليبيين، فانتهزها الحشاشون فرصةً لقتله داخل المسجد. قيل وقتها إن الداعية النزاري أبا طاهر الصائغ شارك في العملية بنفسه لكسب المزيد من ثقة الأمير رضوان.
وهكذا فإن الشام شهدت وضعاً مخالفاً لما جرى في إيران، فبينما نمت في الأخيرة دولة الحشاشين في أجواء معادية لها من الأمراء السلاجقة، بزغت في الأولى قوة الحشاشين بفضل دعم حاكم سلجوقي هو الأمير رضوان.
احتلّ الحشاشون مكانةً جيدةً في المنطقة ونُظر إليهم كمركز قوة، لذا أقاموا صلات مع القوتين الكبيرتين في المنطقة: الأيوبيين والصليبيين، ولعبوا على جميع الحبال لكسب أكبر منافع ممكنة من الجهتين.
في تلك الأثناء كان حسن الصباح منهمكاً في تثبيت أركان دولته على الجبهة الفارسية، وكادت صلته تنقطع بأتباعه في الشام باستثناء تواصل محدود في حالات الضرورة القصوى.
تصدّى لعبءِ القيادة وقتها الداعية الحكيم أسعد، ومن بعده أبو طاهر الصائغ الذي تمتّع بعلاقة قوية مع الأمير رضوان حتى عدّه الناس من أقرب مستشاريه إليه. بفضل هذا القُرب ازداد نفوذ الحشاشين وتضاعفت أعدادهم بعدما وفدت جماعات كبيرة منهم من فارس إلى الشام حتى باتوا مركز قوة كبير في المنطقة.
ومنذ 1105م، قرّر حشاشو سوريا أن يسيروا على نهج حسن الصباح فقرّروا الاحتماء داخل مكانٍ حصين بعيداً عن الناس، وأول مكان تحصنوا فيه هو حصن أفاميا (يقع الآن غرب مدينة حماة)، وظلَّ بؤرةً لتجمع الحشاشين حتى انتزعه منهم الصليبييون. عندها حاولوا الاستيلاء على حصن شيرز (بالقرب من حماة)، لكنهم فشلوا أيضاً فوجّهوا أنظارهم نحو إحدى قلاع حلب.
بحسب كتاب “شذرات من كتب مفقودة”، للدكتور إحسان عباس، فإن الودّ لم يدُم طويلاً بين رضوان والحشاشين بعدما وقع خلاف حاد بين الطرفين أمر بموجبه رضوان حلفاءه السابقين بالرحيل عن مدينته.
ما بعد رضوان
بعد وفاة رضوان عام 1113م، تولّى الحُكم بدلاً منه ابنه ألب أرسلان الذي اتّبع نهجاً مخالفاً لنهج والده. وبعدما حذّره القاضي أبو الحسن بن الخشاب وابن بديع صاحب الشرطة من نفوذ الحشاشين المتصاعد، أمر بإخراجهم عنوةً من قلاعهم بعدما قتل 800 فرد منهم وطاف برؤوسهم في البلدان تعبيراً عن نظرة الحاكم الجديد إلى الحشاشين. كان من ضحايا هذه المذبحة عدد من كبار الدعاة مثل أبي طاهر الصائغ وإسماعيل شقيق الحكيم أسعد، فيما سُجن 200 منهم بعدما صُودرت ممتلكاتهم وأموالهم.
حظيت هذه الخطوات بدعم واضح من السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه، الذي بعث كتاباً إلى أرسلان قال له فيه: “كان والدك يخالفني في الباطنية، وأنتَ ولدي فأحبّ أن تقتلهم”.
لحُسن حظِّ النزاريين، لم يدُم حُكم أرسلان طويلاً، إذ اغتيل على يد غلمانه، عندها تنفّسوا الصعداء وكمنوا في بعض مواقعهم على أطراف حلب، وخططوا للانتقام، فقَتلت جماعة منهم ابن بديع.
بأمرٍ من الصباح، تولّى الداعية أبو محمد قيادة الصفوف وسعى إلى إعادة ترتيبها بعد المذابح الكبيرة التي كادت تقضي عليها، وخلال فترة وجيزة تمكّن من بسط نفوذه في منطقة ديار بكر التي تقع الآن ضمن حدود تركيا، خاصةً في مدينة آمد. رأى الداعية الجديد أن هذه المناطق ستجعله أوثق اتصالاً بالنزارية في ألموت، بدلاً من التقوقع داخل حصون الشام.
من برهام إلى سنان
خلال تلك الفترة، تولّى قيادة دعوة الحشاشين كثيرٌ من القادة، أبرزهم بهرام بن موسى الفارسي الذي كان أحد دعاة الفاطميين في الشام، وعقب قيام حركة الحشاشين صار أحد أهم رجالها في المنطقة وحقق نجاحات كبيرةً زادت من قوة حركته.
ضمَّ بهرام قلعة بانياس إلى سُلطة الحشاشين، وخلال تلك الفترة اهتمّ بالسيطرة على قلاع عدة في مناطق بعيدة عن حلب، حتى امتلك 7 قلاع جبلية شديدة التحصين بين حماة وحمص، عُرفت باسم قلاع الدعوة، وهي: مصياف، الرصافة، الخوابي، القدموس، الكهف، العليقة، والمنيقة، حتى قال عنه ابن القلانسي في كتابه “ذيل تاريخ دمشق”: “استفحل أمر بهرام داعية الباطنية وعظم خطبه في حلب والشام، وهو على غاية الاستتار والتخفي بحيث يطوف البلاد والمعاقل ولا يعرف أحدٌ شخصه”.
وقعت هذه القلاع على خط جغرافي واحد تقريباً معلنةً تشكيل الحشاشين شبكةً مترابطةً من القلاع المتراصة كل واحدة بجانب الأخرى، يسهل الاتصال في ما بينها وتصعب مهاجمتها في آن واحد معاً.
خلال تلك الفترة بدأ أمراء المنطقة بالكفِّ عن اتّباع سياسات قمعية كما في السابق ضد الحشاشين، بل تحمسوا للسماح لهم بالسكن في قلاع في مناطق التماس بين المسلمين والصليبيين حتى يكونوا دروعاً تحمي دمشق من هجمات “الإفرنج” بفضل ما عُرف عن الحشاشين من بسالة في القتال.
كذلك في دمشق تضاعف نفوذ الحشاشين حتى قوي أمر رجل بهرام فيها، وهو الداعية أبو الوفا، إلى درجة بات حُكمها له أكثر مما هو للآمر عليها الوزير المزدقاني فضاق الأخير بما يجري وعرض على الصليبيين تسلّم المدينة والقضاء على الحشاشين بدلاً منه.
أيضاً في عهد برهام لم يتخلَّ الحشاشون عن سلاحهم المفضّل؛ الاغتيالات، فقتلوا القاضي الخشاب ثأراً منه لدوره في المذبحة التي تعرضوا لها في عهد ألب أرسلان بن رضوان، وبعدها اغتالوا سنقر البرسقي أمير الموصل داخل مسجد المدينة بسبب موقفه المعارض للدعوة، ورفضه محاولاتهم مدّ نفوذهم إلى العراق، كذلك قتلوا برق بن جندل زعيم الدروز في منطقة وادي التيم المتاخمة لقلعة بانياس.
إثر الاغتيال الأخير، دارت الدائرة على صاحبها، إذ ثار الدروز لقتل قائدهم فحاصروا قلعة بانياس، وباغتوا برهام حتى نجحوا في قتله وقطعوا رأسه وطافوا بها في قراهم تعبيراً عن بهجتهم بالتخلص من زعيم الطائفة التي حاولت السيطرة على منطقتهم.
وبحسب كتاب “عيون التواريخ” لمحمد بن شاكر الكتبي، فإن هذه المقتلة لقيت دعماً مباشراً من الخليفة الفاطمي في مصر، حتى أن رأس بهرام أرسلت إليه في نهاية الأمر.
في أعقاب مقتل بهرام، تعرّض الحشاشون لمذبحة أخرى لا تقلّ شناعةً عما جرى لهم في عهد أرسلان، فهُوجمت فرقهم في مختلف مدن الشام حتى أن جماعات منهم “صُلبت على شرفات دمشق”، وبحسب التقديرات فإن 6 آلاف فرد من الإسماعيلية قُتلوا في هذه الحوادث المتفرقة، حسب ما روى ابن عساكر في كتابه “تاريخ مدينة دمشق”.
نفّذ الحشاشون عمليتَي اغتيال ضد أعداء سلطان مصر، فقتلوا بهاء الدين بن نيسان حاكم مدينة آمد، والماركيز كونراد صاحب صور، بسبب تردّي علاقة الأخيرين بصلاح الدين.
بسبب ما عُرف بـ”فتنة دمشق”، انقطع أهلها عن الحج في تلك السنة، وعمَّ الاضطراب أنحاءها كلها. هرب من تبقى من الحشاشين إلى قلاعهم المنعزلة وكفّوا عن السكن في المدن وعاشوا فترةً من الضعف وإعادة ترتيب الصفوف حتى ظهر سنان بن سلمان البصري.
في مرحلة مبكرة من حياته، انتمى سنان إلى الدعوة الإسماعيلية واحتل مكانةً كبيرةً بينهم وقادهم خلال فترة أوشكت فيها الحركة على الانقراض، ومن عظيم صُنعه أن باتت الحركة في الشام تُعرف باسم “السنانية” نسبةً إليه، وهو أمر لم يحدث إلا مع المؤسس الصباح في قلاع المشرق الذي اشتهرت أيضاً حركته باسم “الصباحية”.
بعدما تلقّى تدريباً مكثفاً في “آلموت”، قاد سنان النشاط الإسماعيلي في الشام وسط حماسة كبيرة من مؤيديه حتى قال عنه ابن جبير: “أتباعه كانوا يبذلون الأنفس دونه”.
عاصر سنان عصر إنهاء الخلافة الفاطمية في مصر على يد وزيرها صلاح الدين الأيوبي فعدّ أن سلطان مصر الجديد يمثّل خطراً شديداً عليه أكثر من جيرانه الصليبيين الذين نجح في إقامة علاقات ودية معهم، مثلما فعل مع عموري الأول ملك القدس الذي اعتاد تبادل الرسائل معه حتى أن سنان ذات مرة أخبره بنيته اعتناق المسيحية!
بأمرٍ من سنان، نفّذ أتباعه محاولتَين لاغتيال صلاح الدين الأيوبي، فشلتا في تحقيق هدفهما لكنهما زرعتا الرعب في نفس سلطان مصر حتى أنه قضى تلك الفترة من حياته مختبئاً لا يقابل إلا أخلص معاونيه.
عقب محاولة فاشلة من صلاح الدين لاقتحام قلعة مصياف، تحسّنت العلاقة بين الطرفين حتى أن الحشاشين نفّذوا عمليتَي اغتيال ضد أعداء سلطان مصر، فقتلوا بهاء الدين بن نيسان حاكم مدينة آمد، والماركيز كونراد صاحب صور، بسبب تردّي علاقة الأخيرين بصلاح الدين.
في 1193م، مات صلاح الدين وسنان واختفيا من الساحة في وقتٍ واحد.
خلّف سنان الحركة في أحسن أحوالها، ومن بعده تولّى الحُكم عدد من القادة الذين اجتهدوا لإقامة علاقة متوازنة مع الصليبيين عبر دفع الجزية لبعض فرقهم العسكرية مثل الداوية والإسبتارية، تخلل تلك الفترة تنفيذ الحشاشين عملية اغتيال لابن الأبرنس صاحب أنطاكية، وفي العام التالي هاجم الصليبيون قلاعاً إسماعيليةً عدة للانتقام منهم لكنهم فشلوا في تحقيق غرضهم.
في سبيل خدمة رضوان، نفّذ الحشاشون جريمتهم السياسية الأولى في الشام بعدما اغتالوا حاكم حمص، برغم أنه كان حينها في طريقه إلى قتال الصليبيين
احتلّ الحشاشون مكانةً جيدةً في المنطقة ونُظر إليهم كمركز قوة على الآخرين أن يتعاملوا معه، لذا أقاموا صلات مع القوتين الكبيرتين في المنطقة؛ الأيوبيين والصليبيين ولعبوا على جميع الحبال لكسب أكبر منافع ممكنة من الجهتين.
استمرَّ هذا الوضع حتى اجتاح المغول المنطقة ودمروا جميع المعاقل الإسماعيلية في خراسان بما فيها قلعة آلموت، قبل أن يسيطروا على بغداد سنة 656هـ/ 1258م، بعدها استكمل المغول مشوارهم واجتاحوا الشام وسقطت قلاعها ومدنها بين أيديهم واحدةً تلو الأخرى.
مُجدداً تكرّر المشهد المأساوي، حينما حاصر المغول قلاع الحشاشين وأسقطوها أيضاً وعلى رأسها قلعة مصياف عاصمتهم الرئيسية في الشام.
على أثر الغزو المغولي تشتت شمل الحشاشين وتبعثروا بين البلدان في انتظار قدوم جيش مصر بقيادة قطز، وحين وصل شاركوا في معركة عين جالوت وساهموا في تحقيق النصر.
برغم أن قطز وافق لاحقاً على عودتهم إلى قلاعهم، إلا أن خليفته الظاهر بيبرس كان حازماً في رفضه السماح لهم بالتحول إلى مركز قوة كما كانوا في الماضي؛ وسمح لهم بالعيش في القلاع لكن بشرط تسليمها له ليحكمها بواسطة رجاله، كما أمر بنفي عددٍ كبير من دعاتهم إلى مصر ليبعدهم عن قواعدهم الرئيسية في الشام، وكانت تلك بداية انتهاء نفوذهم تماماً، وانتهاء قصة الرعب التي قضّت مضاجع حكام المنطقة قروناً عدة.