نحن لانحب أكل السمك ولا نحب خالي المراوغ وزوجته النمامة، لكن أمي تصر على إطعامنا السمك كل جمعة وتجبرنا على مجالسة خالي وزوجته التي تشبه الخرتيت .
وحين أحضرت أمي السمك من السوق مساء الخميس استعدادا لجمعتها المفضلة طلبنا من أبي الذي ينادي بالديمقراطية وحقوق المظلومين بالوقوف بوجه أمي وقلنا وقال من بعدنا أبي:
_ لن نستقبل ضيفا نكرهه ليعكر حياتنا ولن نتناول سمكك رغما عن أنفنا .
كانت أمي تنظر بعينين باردتين وهي تغرس سكينها في ظهر السمكة ، فقال أبي وهو يضع أمامها دجاجتين كبيرتين ترتجفان صقيعا بعد أن اخرجهما من الثلاجة بعناد:
_ كفاك تزمتا برأيك ، ستطبخين غدا الدجاج واتصلي بأخيك وابلغيه بعدم رغبتي في استقباله .
فابتسمت له أمي وأكملت تنظيف سمكاتها بهدوء .
فرحنا نفرك أيدينا فرحا ونتقافز لإنتصارنا الذي حققه أبي على ديكتاتورية إمي ونحلم بوجبة غداء فاخرة من الدجاج المشوي.
لكن في تلك الليلة دخلت أمي مبكرة إلى غرفة نومها ثم نادت على أبي ليلحق بها ولما طال انتظارنا لهما ولم يخرجا غلبنا النعاس فنمنا وحين استيقظنا صباح الجمعة كان أبي يقف أمام المرآة في الحمام يحلق ذقنه مبتهجا وهو يصفر بلحن حماسي ورائحة السمك المقلي في المطبخ تزكم انوفنا وتصيبنا بالدوار ثم سمعنا صوت أمي يشق فضاء البيت وهي تقول :
_اتصلوا بخالكم وزوجته وابلغوهما بأن يحضرا معهما أخت زوجة خالكم سعاد وأولادها فقد اشتقنا لهم كثيرا ،نحن بيت كرم وسمكنا كثير.
عندها فهمت بأن النوم المبكر في ليال الخميس يضر بالديمقراطية وأن أمي كريمة وليست ديكتاتورة وأن حقوقنا انزلقت في مجرى الحمام مع شعيرات ذقن أبي المحلوق وهي تصفر بلحن جنائزي عتيق.