على مدى سبعة أشهر فشلت إسرائيل في القضاء على المقاومة، أو كسر إرادتها، ولا يزال الجيش الإسرائيلي عاجزأ أمام ضربات المقاومين البواسل، رغم فارق القوة وفارق الإمكانات والإمدادات، وقد صاحب هذا الفشل العسكري فشل إعلامي وسقوط أخلاقي، ما أدى إلى اهتزاز صورة إسرائيل في الداخل والخارج، فلم تعد الدولة النموذج، التي إذا قالت صدقت، وإذا وعدت أو توعدت أنفذت وعدها ووعيدها، ومهما يفعل نتنياهو وحكومته وجنرالاته من تدمير وتخريب وقتل جماعي للمدنيين فلن يستطيعوا محو عار هذا الفشل المركب، وذلك السقوط المريع.
لقد وجدت إسرائيل نفسها مرتبكة مضطربة من هول المفاجأة عندما باغتها طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، فاندفعت تواجه طوفان المقاومة بطوفان من الأكاذيب، مثلما تفعل الدول المهزومة تماما، بينما كان أداء المقاومة الإعلامي والأخلاقي في غاية الثبات والانضباط، وهو ما جعل الإسرائيليين أنفسهم يثقون في بيانات الرجل الملثم (أبو عبيدة) أكثر مما يثقون في بيانات المتحدث باسم جيشهم، ويتوجهون بالرجاء إلى قائد كتائب القسام (يحيى السنوار) لحل أزمة الأسرى بعد أن يئسوا من نتنياهو.
ولعل من أهم مكاسب طوفان الأقصى انهيار الصورة المثالية التي رسمها الغرب لإسرائيل، وانعدام مصداقيتها، فقد تتبع العالم قائمة طويلة من الأكاذيب التى روجتها حكومة نتنياهو والموالون لها، ومن أشهر هذه الأكاذيب قصة الأربعين طفلا الذين قطعت حماس رؤوسهم، ومجزرة مهرجان الموسيقى في مستوطنة (ريعيم)، واغتصاب الفتيات أثناء احتجازهن، واتهام موظفي (الأونروا) بالتواطؤ مع حماس والمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر، واستخدام المساعدات في دعم المقاومة، وتوفير الملاذات الآمنة لرجالها، واتهام طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية بالعداء للسامية وكراهية اليهود والعمالة لحماس، والتنسيق مع مؤيدين لهم اتصال بالايديولوجيات الجهادية العالمية!!
وبقدر ما أثارت أكذوبة قطع رؤوس الأطفال من ضجة هائلة على مستوى العالم، خاصة بعد أن تعززت بتصريح شهير للرئيس الأمريكي جو بايدن ادعى فيه أنه شاهد صور أطفال إسرائيليين ذبحتهم حماس، بقدر ما أثارت من سخط وسخرية عندما انكشف أمرها، وظهر أنها مجرد فرية بلا دليل، هدفها الربط بين حماس وتنظيم داعش المدان بهذه الجرائم، لذلك أعلنت وسائل إعلامية غربية تراجعها عما نشرته بخصوص هذا الادعاء المشين، ومنها صحيفة (اندبندنت) البريطانية وقناة (سي إن إن) الأمريكية، كما تراجع البيت الأبيض عن تصريح بايدن، مؤكدا أن “الرئيس لم يشاهد الصور بنفسه، لكنه سمع عنها فقط من رئيس الوزراء الإسرائيلي”!!
ولاحقا نشر نتنياهو صورة ادعى أنها لطفل إسرائيلي أحرقته حماس، لكن سرعان ما كشف الصحفي الأمريكي جاكسون هنكل أن الصورة مزيفة، وأنها في الأصل صورة لكلب في عيادة طب بيطري تم تزييفها عن طريق الذكاء الاصطناعى، لتحل محلها صورة لجسد طفل متفحم.
ووسط الهلع الإسرائيلي من أحداث يوم الطوفان، الذي يسمونه (السبت الأسود)، أطلقت أبواقهم رواية ملفقة عن مجزرة ارتكبها مسلحو حماس للمشاركين في مهرجان موسيقى بمستوطنة (ريعيم) الواقعة في غلاف غزة، وقتلوا فيها 364 شخصا من بين 4400 من الشباب والنساء وكبار السن الذين كانوا يشاركون في المهرجان، ثم تبين بعد ذلك أن طائرات أباتشي الإسرائيلية هي التي ارتكبت هذه المجزرة الجماعية عمدا، وجاء في اعترافات ضباط إسرائيليين كبار أنهم نفذوا (بروتوكول هانيبال) أثناء الاشتباكات مع مقاتلي حماس في (ريعيم)، فقد رأوا أنه من الأفضل إطلاق النار على المقاتلين ومن في أيديهم من الأسرى الإسرائيليين دون تمييز، للحيلولة دون إتمام عملية الاختطاف بأي ثمن.
وفي ديسمبر الماضي أعلنت مسئولة في الشرطة الإسرائيلية أمام الكنيست أنها جمعت أكثر من 1500 شهادة صادمة من أطباء وإخصائيين عن حالات اغتصاب جماعي لإسرائيليات قام بها مهاجمو حماس يوم 7 أكتوبر، وعن اعتداءات جنسية وتجريد فتيات من ملابسهن وأثداء مقطوعة، وعلى الفور نفت حماس هذه الإدعاءات جملة وتفصيلا، مؤكدة أنها تستهدف شيطنتها ونزع شرعيتها، وجاءت مشاهد تسليم الدفعات الأولى من الرهائن الإسرائيليين لتنسف هذه الأكاذيب نسفا، من خلال الوداع الحميم الذي رآه العالم بين الأسيرات ورجال المقاومة، وشهادات الأسيرات بأن “هؤلاء الرجال لديهم تقدير مبالغ فيه للنساء، واحترام للشرائع، فقد قالوا لنا نحن مسلمون نؤمن بالقرآن ولن نسيء إليكن، وعاملونا بأعلى قدر من الود، ووفروا لنا الأدوية والرعاية اللازمة”، وقد كانت هذه الشهادات كافية لنفي الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة، ما أثار غضبا واسعا في إسرائيل، ودعا الحكومة إلى منع المفرج عنهن من الحديث للصحافة، وحظر بث شهاداتهن في وسائل الإعلام.
أما أكذوبة (الأونروا) فقد دحضها تحقيق دولي مستقل انتهى إلى أن إسرائيل أجبرت بعض موظفي هذه الوكالة المسئولة عن تقديم المساعدات في غزة على الاعتراف كذبا بتواطئها مع حماس، ولم تقدم أدلة على ادعاءاتها، الأمر الذي دفع العديد من الدول الـ 16 التى علقت مساهماتها ثقة في صدق الاتهامات، إلى إعادة استئناف تمويلها.
ومع مرور الأيام تكشفت حقائق دامغة بشأن أكاذيب أخرى روجتها إسرائيل، فقد اتضح على سبيل المثال أنه لم يكن هناك مخبأ للمقاومة تحت مستشفى الشفاء، ولم تكن هناك قائمة معلقة على جدران مستشفى الرنتيسي بأسماء المحتجزين لدى المقاومة، وإنما مفكرة بأيام الأسبوع باللغة العربية.