هو أحد الأعلام المشهورين بالقرآن.. وصفه جَدي لي بأنه: “آخر المحفظين الثقات”.. كنت أتهيب الذهاب للكتّاب عنده لعلمي أنه شديد ومجرد التردد في نطق الآية يجر عليك ربما ويلات غضبه.. لكن ليس هناك بد مما منه بد؛ ذهبت إليه وتشرفت بالحفظ على يديه لا سيما وقد عوضه الله نورًا في بصيرته أغناه عن رؤية العين.
أذكر أن بعض أقراني كان يحاول أن يخدع الشيخ ويفتح المصحف ويقرأ منه؛ لحظات وأسمع لهم صياحًا وصراخًا، كنت أتعجب كيف علم الشيخ بما يفعلون حتى خمّنت السبب.. فقد كان للشيخ فطنة كما كانت له عادة فيمن يأتي (جديد) للكتّاب أن يقرأ عليه؛ فإما يجيزه أو يرده من أول مرة.. ومن أجازه يعلم مستواه في الحفظ والتلاوة، ويخزّن هذا في ذاكرته الفولاذية.. كل هذا ونحن لا ندرك شيئًا.. كما أن من عادته رحمه الله أن يضع يده على كتفك وأن تقرأ ويستمع لك بتركيز؛ فلو تغيير أداؤك للأحسن وصرت تنغّم في التلاوة بعدما كنت تتردد في النطق المفترض أن يفرح الشيخ لكن العكس هو ما يحدث فأجد الشيخ يحول وجهه بسرعة في عدة اتجاهات ويمصمص شفتيه لم أكن ساعتها أدري ما الذي ينتابه، وما الذي يغضبه من حسن تلاوة وصوت جميل، حتى تقع المفاجأة!!
فالشيخ في هذه المرحلة يحدد بدقة متناهية مكان المصحف المفتوح من خلال اتجاه صوتك، ثم يضع يده على رأسك ليحدد مستوى عينك كل هذا وأنت لا تشعر بما يخبأه لك القدر، وفي لحظة معينة وأنت مسترسل تنغّم وتجود تظلم الدنيا أمام عينك حين يضع الشيخ يديه على المصحف المفتوح لا يخطأه، ونسمع الصراخ من كل حدب وصوب ينبعث.
أحببت الشيخ كثيرًا برغم أني لم أمكث معه كثير وقت، والجميل أنه أحبني وقربني منه لاسيما في لحظات مرضه؛ فكان يختصني وبعض رفاقي بالدخول في الحجرة الداخلية لأسمّع عليه القرآن في حين يعتذر لآخرين، وهو على سرير مرضه رحمه الله وغفر له..
كان رحمه الله يسألك عدة أسئلة في أول لقاء ومن هذا (الإنتر فيو) يحدد أمورًا يضعها في ملف خاص بذاكرته، من هذه الأسئلة:
-اسمك بالتفصيل (ومن ثم يعرف مستواك الاجتماعي والاقتصادي أيضًا كما يحدد اللقب الذي سيناديك به وغالبا ما يكون اسم أبيك أو جدك فيقول: تعالى يا ابن فلان سمّع).
-اسم الشيخ الذي حفظتَ عنده قبله، وعلى أساسه يحدد مستواك من مستوى شيخك وحرصه.
- أزهري أم لا، ليعلم رغبتك للحفظ ذاتية أم لأجل الشهادة.
وبعده هذا كله تقرأ عليه بعض الآيات فإما تقبل وإما ترد، على غير عادة معظم الشيوخ الذين يقبلون أي وراد باعتباره “مصدر دخل قومي لهم”.
مات الشيخ وترك فراغًا كبيرًا في مجال التحفيظ في قريتي.. لكن ما يسلي ويخفف أن ورّث أبناءه حب القرآن وعمل الخير.. فصاروا أعلاما في هذا وكانوا خير امتداد لسيرة أبيهم رحمه الله..
رحم الله الشيخ عبد العظيم خطاب الريس رحمة واسعة وأجزل له العطاء لقاء ما قدم لدينه وأمته.. فقد كان يمثل حالة خاصة في التحفيظ، كما أنه أحد أهم المحطات في طلبي للقرآن.