عندما يُسهم التعليم من خلال آلياته واستراتيجياته وطرائقه التدريبية في أن يمتلك الفرد المهارة الفنية المرتبطة بإحدى المجالات الصناعية، أو الزراعية، أو التجارية، أو الإدارية، أو الخدمات السياحية، بما يؤهله لأن ينخرط في سوق العمل ويسد احتياجاته ويفي بمتطلباته وفق معاييره التي يتبناها، وبما يتناغم مع التطور التقني الهائل؛ فإنه يشكل ضرورة في دعم الاقتصاد المصري، وفق ما نص عليه دستور البلاد؛ حيث الالتزام بتطويره وتقديم الدعم اللوجستي الذي يجعله داعمًا للتنمية في بعديها البشري والمادي، وتلكما صورة التعليم الفني أحد أنماط التعليم المصري.
وعلى أرض الواقع وبعد تنظير طائل أكد على أهمية هذا النمط من التعليم، أخذت الدولة المصرية على عاتقها العمل الجاد في تطويره ليصبح أداة رئيسة بدفع عجلة التنمية الاقتصادية في البلاد؛ فأضحى ربطه بسوق العمل لا ينفك عن الأساليب التقنية المتقدمة في مزاولة المهن والحرف؛ كي يمتلك الخريج المهارات التي تسوق إليه فرص العمل بعد انتهائه من دراسته مباشرة، بل وأصبح سوق العمل الدولي طالبًا لتلك المهارات والكفاءات بشكل متزايد؛ نظرًا لأن التنمية الاقتصادية باتت من أولويات دول العالم قاطبة.
وفي ضوء اهتمام رئاسي وبتوجيهات مباشرة تم تطوير مدارس التعليم الفني بتنوعاتها المختلفة وتم العمل على تطوير الورش فيها من حيث البنية التحتية ودعمها بأحدث الأجهزة التقنية؛ بالإضافة إلى إتاحة التدريب المباشر داخل المصانع بمساهمة بناءة من أصحاب العمل، وذلك بعد صياغة مناهج تعليمية تواكب متطلبات سوق العمل وتفي باحتياجاته، وهذا ما جعل الطلاب راغبين في الالتحاق بهذا النمط التعليمي الذي يكسبهم الخبرات الوظيفية التي تدعم النظرية والتطبيق بصورة متلازمة.
وقد ارتأت القيادة السياسية أن مستقبل المهن أضحى مسارًا آمنًا للحد من البطالة واستثمار الطاقات بشكل يدفع بطريق التنمية في مجالاتها المختلفة، كما يحدث نقلة نوعية في العملية التعليمية لتصبح قاطرة التنمية المرتقبة في بلادنا، وهذا يعود بنفع المباشر على بلادنا وكل من يسعى لتنمية اقتصادية حقيقية في دول الجوار؛ فقد أضحى سوق العمل مفتوحًا والتبادل الخبرات بات هادرًا سهلاً؛ إذ أن العامل التقني صار عماد هذا النمط التعليمي بكل تنوعاته.
ولا نغالي إذ نقول إن عامل التميز والتنافسية مرهون بمنتج بشري قادر على الإنتاجية في أسواق العمل المحلية والعالمية استنادًا لمناهج محدثة تقدم خبرات عملية وظيفية مصبوغة بالطابع التقني لتنمو مهارة فنية عالية المستوى يتعطش لها سوق العمل الذي يغيب عنه المهرة في مجالات التخصص النوعية المتعددة، وهذا من شأنه يزيد من ارتقاء المهن وتطورها بصورة تحدث تقدمًا غير مسبوق في مجالات التنمية الاقتصادية بصورها المختلفة.
وفي نمط التعليم الفني الصناعي هناك نموذج مبهر يتمثل في مدارس التكنولوجيا التطبيقية التي تتحرى العمل بمعايير الجودة الدولية في المناهج المقدمة ومواصفات الخريج وفق شراكة إجرائية مع أصحاب العمل وأصحاب الخبرة من الداخل والخارج، ومن ثم نضمن تلبية احتياجات السوق المتغيرة على المستويين المحلي والدولي، وأود أن اذكر بأن مناهج هذه المدارس تشمل تغذية معرفية تشكل بنى معرفية تتسم بالعمق والتنوع، وتتضمن ممارسات تترجم المعارف في صورة مهارات توصف بالدقة، وتتحلي بتدريب واقعي يزيد من صقل الجانب المهاري والفني ويعضد الجانب الوجداني؛ حيث حب الاستطلاع العلمي تجاه المهنة وتنمية الميل نحوها، والرغبة في الوصول لمستويات الإتقان.
وما حدث من طفرة في تطوير التعليم الفني أدى إلى تغيير الصورة الذهنية لدى المجتمع المصري؛ حيث إن رؤية القوى الماهرة التي تفي بمتطلبات سوق العمل خاصة المحلي، وأن مستويات الدخول مادية تحسنت بصورة ملحوظة لدى العاملين المهرة في أمكان عملهم، وما هو مشهود من منتجات مصرية اتسع لها السوق المحلي والدولي، بما ساهم في تحسين النتاج القومي وساعد في نشر ثقافة تقبل التعليم الفني.
ورغم كل ما أوردناه من مزايا تمخضت عن تطوير أنماط التعليم الفني؛ فإننا في احتياج لمزيد من الدعم اللوجستي لمؤسسات التعليم الفني في شتى ربوع الوطن الحبيب، ومن ثم العمل على تعميم التجارب الناجحة داخل القطر المصري؛ حيث إن مؤسسات الإنتاج والخدمات أضحت عديدة ومتعددة؛ فبدون مواربة نسعى مجتهدين لمزيد من التنمية البشرية قاطرة نهضة بلادنا العظمى، وتوطين لصناعتنا وتعظيم لمواردنا بكل تنوعاتها؛ فمصر دولة تمتلك مقومات التنمية المستدامة بكل مجالاتها وفي شتى مؤسساتها، وبلسان مبين نثمن دعم القيادة السياسية الحكيمة لتطوير مؤسستنا التعليمية بسلمه المختلف وتنوعه المتباين.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر