يقول الشاعر الألماني يوهان غوته: “إذا كان الألم يسلب الإنسان القدرة على الكلام، فقد وهبني الله ملكة التعبير بالقلم”.
خلال سمنتصف سنة 2014م كنت وقتها قد تعرضت لحادثة سير عرضية على مستوى ركبتي اليسرى نتج لي عنها تمزق في أحد أربطة أوتاري العصبية وخضعت على إثرها لعملية جراحية مستعجلة، وخلال خلودي لفترة نقاهة علاجية بقيت ملازما لفراشي وقتا ليس بالهين، مما جعلني أفكر في الكتابة لكي أنأى بنفسي عن الروتين اليومي القاتل، وبه قاومت ألمي وجلست باستواء فوق الكرسي وأمام الحاسوب، ومن تم شرعت في وضع الخطوط العريضة لتأليف أولى مؤلفاتي الذي قررت بأن يكون عبارة عن الجزء الأول من سيرتي الذاتية “قصة حياتي” كتاب يمكني من خلال أن أعبر لكل الأجيال عن صدق حبي لوطني ولملكي ولإخواني وأخواني المغاربة قاطبة.
هكذا خطرت لي الفكرة بالا، وأصبحت يقينا عقلا وقلبا، وكانت البداية في الكتابة جد موفقة بحيث كتبت في أمد عشرة أيام ما مجموعه 45 صفحة “كتابة متأنية وعميقة” إذ كنت أسهر لوقت طويل وأنا منغمس في عالم الكتابة وكم من مرة والله على ما أقول شهيد كانت دومي تفيض من أعيني بكاء ليس حسرة ولا ألما بل شعورا مني بتقصيري الكبير إزاء من سهروا على تربيتي من صغري، وأولئك الذين علموني أسس الدين وقواعد الحياة من معلمين ومعلمات، وفقهاء ورجال دين كلهم كانوا لي واعظين وناصحين ومرشدين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر “رحم الله الموتى، وأطال في عمر الأحياء، وشافى وعافى المرضى”.
وذات يومن، طلبت مني ابنتي “هبة الله” بأن أؤطرها في مجال تأليفها لكتب يحمل عنوان “ذاكرة تلميذة” فوافقتها الطلب، وأجبتها بالايجاب كوني على أتم الاستعداد لتأطيرها من البداية حتى النهاية لعون الله ومشيئته، حينها سخرت مني زوجتي لما سمعتني أخاطب ابنتنا بهكذا وعد صادق وكلام فاصح، إذ خاطبتني زوجتي أمام ابنتي بأنني لست كاتب ويصعب علي الادعاء أو بالأحرى المحاول بأن أكون كاتبا يوما ما.
حينها لم أشتد غضبا، ولم أتفوه وقاحة، بل ابتسمت في وجه زوجتي احتراما مني لمقام ابنتي ورأفة مني كذلك لكينونة زوجتي التي أكن لها كلمل المحبة والتقدير لأنها كانت سندي في حياتي ولوقا طويل وتحمل إلى جانب قسطا لا يستهان به من العذاب والآلام دون أن تضجر أو تشتكي أو تسأم، وكان خطابي لها نهاية المطاف بأني مصر كل الاصرار بأن أكون في المستقبل كاتب ليس لامعا فحسب بل مشهورا شهرة الآخرين أكثر من شهرة الأولين وستبدي لك الأيام صدق ما أقول، حينها ازدادت زوجتي ضحكا في وجهي وأضافت قولها لي لعلك تريد أن تصبح الطاهر بنجلون أو محمد شكري أو حتى باولو كويلو وإليف شافاق التي ألفت كتابها الشهير “لقيطة إسطمبوا” قولها الأخير لي هذا ناتج عن تواجد قصة الكاتبة المذكورة أخيرا ضمن الكتب المصففة بين رفوق مكتبتي المواضعة داخل غرفة نومي.
;بعدها بأيام قليلة أفلحت ابنتي هبة الله في تأليفها لكتابها “ذاكرة تلميذة” وحازت من خلاله على الجائزة الأولى داخل مؤسستها التعليمية “إعدادية علال بن عبد الله” بالقنيطرة، ومن تم شاركت بكتابها هذا ضمن رواق المعرض الجهوي المقام بمدينة الرباط العاصمة بتاريخ 24 أكتوبر 2018م وحازت أيضا على إثره بالجائزة المتوخاة، ليس هذا فحسب بل أن السيد المدير العام للأمن الوطني هنأني وابنتي هلى عملنا الابداعي والقافي المذكور، لتنبهر في الأخير زوجتي من مدى نجاح وتألق ابنتنا “هبة الله في مجال الكتابة” بكل فخر واعتزاز، وما كان منها سلعتها سوى أن اعتذرت إلي طالبة مني مسامحتها لسوء تقديرها حيال كفاءتي وقدرتي في مجال الكتابة فقبلت اعتذارها وقلت في نفسي “سبحانك ربي أنت من علمتني بالقلم ما لم أكن أعلم من ذي قبل، فاللهم زدني علما في حيل يا عليم يا حكيم”.
واليوم أنا على وشك الانتهاء من كتابي الأول الذي سيكون فخرا لكل الأجيال ليس من حيث الكلام أو البيان ولكن من حيث القيمة والمعاني والدحكم والعبر، كتابي هذا كلفني الكثير من أوقاتي وصحتي النفسية العقلية والجسدية، إذ كنت تارة أكتب وتارات أخرى أستريح إلى حين أن ينضج الوقت وكان هذا الوقت متأخرا لم يحن الوقن بأن يأتي فأخذت زمام المبادرة وسابقت الوقت وكتبت بحرقة وألم ممزوجين بالدمع والحسرة والتأفف عن خيانة المقربين وغدر الزمان في وقت كنا نعتقد أننا فيه بآمان حيث لا آمان مع بني الانسان.
هكذاـ كتبت، وهكذا سأسترسل في الكتابة إلى حين يوم مماتي، سأكتب بصدق مدونا كلمة حق في حق نفسي ومن هم حولي، إنصافا مني لمن ساندوني وقت محنتي وكذا لمن غدروا بي لحظة ضعفي فسبحان الله القوي المتين “نعم المولى ونعم النصير”.