د. صابر طه: السنة النبوية اهتمت اهتماما بالغا بالعقل وحثته على التفكير الصحيح في كل شيء
د.جميل تعيلب: الله سبحانه أثبت كل قضايا العقيدة في القرآن الكريم من خلال الأدلة العقلية
د. مصباح منصور: العقل له دور كبير في ترسيخ العقيدة الإسلامية والتمييز بين الصحيح وغيره
القرآن الكريم أفرد مساحة واسعة للحديث عن العقل وأهميته وضرورة إعماله في التدبر والتفكر في خلق الله
د. عبدالرحمن أبوشنب: المنهج القرآني فريد في الاقتناع العقلي للإيمان وهذا يؤكد ما للعقل من منزلة كبرى في الإسلام
كتب – د. عبد العزيز السيد
عقد الجامع الأزهر الشريف ، حلقة جديدة من ملتقى “الأزهر للقضايا المعاصرة” تحت عنوان: ” مكانة العقل في الإسلام”، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع، الدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والمشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، والدكتور صابر أحمد طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر، والدكتور جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة، والدكتور مصباح منصور، وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث بكلية أصول الدين بالقاهرة.
وقال الدكتور جميل تعيلب، إن العقل له مكانة عظيمة وتأتي أهميته من أن الحق سبحانه وتعالى أثبت كل قضايا العقيدة في القرآن الكريم، من خلال الأدلة العقلية التي استخدمت العقل، ثم جاءت الأدلة النقلية والسمعية لتدعم العقل، موضحا أن ما يتعلق بمسائل التشريع ما ثبتت إلا بعد إثبات قضايا العقيدة التي هي أساسا تثبت بالعقل.
وأضاف الدكتور تعيلب: لقد بين الحق سبحانه وتعالى أن توعد الكافرين بدخول النار لأنهم لم يتبعوا ولم يستمعوا إلى العقل السليم الرشيد فالله سبحانه وتعالى يقول : {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }، مضيفا: نجد أن الإسلام أبعد أي شيء يعوق العقل عن تفكيره الصحيح مثلا نبذ الخرافات والأوهام، حين كُسفت الشمس في عهد النبي ﷺ، عندما انتقل ابنه إبراهيم إلى رحاب ربه، وظن الناس أن الشمس كُسفت لوفاته ، فالنبي _ صلى الله عليه وسلم لم يشغله الحزن على ابنه ولكن أراد أن يبين العقيدة الصحيحة السليمة هنا، وأنها يجب أن تكون بعيدة تماما عن أي خرافات وعن أي أوهام فالنبي ﷺ قال “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا الله“.
من جهته، بين الدكتور مصباح منصور موسى، أن العقل له دوره في ترسيخ العقيدة الإسلامية، ودوره في التمييز بين الصحيح وبين غيره، فلقد أفرد القرآن العظيم مساحة واسعة للحديث عن العقل وعن أهميته، فكلمة العقل بمشتقاتها وردت في القرآن الكريم ما يقرب من تسع وأربعين مرة، فنجد أن الله تبارك وتعالى تحدث عنها جميعا بصيغة الفعل المضارع الذي يفيد التجدد والاستمرارية، وكأن الله تبارك وتعالى يريد أن يقول لنا إن العقل ما خُلق ليقف في زمنه الحاضر بل لابد أن يستمر في التفكير والتدبر ، فنجد {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} ، {أَفَلا تَعْقِلُونَ}، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ}.
واستطرد قائلا: كما نجد أن الله تبارك وتعالى سمى العقل بعدة أسماء؛ مثل “اللُب” أي العقل الصافي الذي لا تخالطه الشوائب للوصول إلى الحقيقة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ، كذلك سمى الله تبارك وتعالى أصحاب العقول “بأولي النُهى” لأنه ينهى صاحبه عن فعل السيئات والمعاصي، كما قال ربنا تبارك وتعالى {هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ } وسمي العقل بالحجر الحِجر، لأنه يمنع صاحبه عما لا ينبغي فعله وعما نهانا الله تبارك وتعالى عنه، فنجد أن العقل هو القاعدة الأولى المسؤولة عن الإدراك وعن الفهم الصحيح وعن تمييز الصحيح من غيره .
وأضاف: نجد أن القرآن الكريم ذكر أن العقل يكون سببا في إدراك صاحبه قيمة النعمة التي أنعمها الله تبارك وتعالى عليه، وأمره بالتفكر والتدبر باعتبارها من مهام العقل، الذي هو القاعدة الأساسية التي بها ندرك ونتفكر ونتذكر، والتي بها نميز بين الحسن والقبيح، فبدون العقل تنزل قيمة الإنسان تنزل من الإنسانية إلى الحيوانية.
من جانبه، ذكر د. صابر أحمد طه، أن العقل عند علماء اللغة العربية يعني الحبس، فالعقل يحبس صاحبه عن أي شيء غير طيب، والعقل هو مناط التكليف عندنا في الشريعة الإسلامية بنص الحديث قال ﷺ “رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ”، فإذا كان المرء ليس بعاقل فليس عليه تكليف، والناظر إلى واقعنا المعاصر يجد أن هناك جماعة قدست العقل وقدمته على النص وهذا أمر مذموم ، وهناك فئة تقدم النص وترفض العقل وهذا أيضا مذموم ، فأهل السنة والجماعة والأشاعرة والماتريدية أخذوا بالعقل والنص واعتبروا العقل هو خادم للنص، وأن النص الصريح لا يمكن أن يخالف العقل الصحيح.
وأردف قائلا: وبالنسبة إلى مكانة العقل في الإسلام وخاصة في السنة النبوية، فالقارئ للسنة النبوية يجد أن هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي تحدثت عن العقل والتي منها مثلا ما قاله ﷺ [ لا عقل كالتدبير، ولا وَرَع كالكفّ، ولا حَسَبَ كحُسْن الخلق”، فالعقل الصحيح هو الذي يفكر في كل أمر، حيث اهتم النبي ﷺ اهتماما بالغا بالعقل في بداية الدعوة الإسلامية.
ومن جانبه أوضح د. عبدالرحمن أبوشنب، أن العقل في الإسلام له منزلة كبيرة ودرجة رفيعة، يتبوأ فيها ويتفيأ ظلالها، فليس ثمة عقيدة تحترم العقل الإنساني وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية، وليس ثمة كتاب خاطب العقل وبين بقيمته وكرامته ككتاب الإسلام، ونظرة إلى آيات القرآن الكريم تدلنا على ذلك، فقد قال تعالى{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} {لِقَوْمٍ يَفْقَهُون} تتكرر عشرات المرات، مؤكدا أن المنهج القرآني الفريد في الاقتناع العقلي للإيمان، يؤكد ما للعقل من منزلة كبرى في الإسلام.