أحسن الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما أشار فى خطاب تكليفه للحكومة الجديدة الى ضرورة بناء وعى الإنسان المصرى على الاعتدال الدينى، لأن الفكر المنحرف سيهدر كل الموارد، ويحول الإنسان من منتج الى مستهلك، ومن إنسان سوى يعمل لصالح وطنه الى إنسان انتهازى لا يبحث إلا عن مصالحه وأهوائه ونزواته.
تجديد الخطاب الدينى ليس كما يعتقد البعض قضية دينية وعظية تتعلق بأمور العبادة والطقوس الدينية، بل التجديد الحقيقى للخطاب الديني يعنى حماية مقدرات الدولة المصرية أمنيا واقتصاديا وحضاريا والارتفاع بمكانة مصر كدولة رائدة فى مختلف المجالات.. ومن هنا ننتظر من الحكومة الجديدة أن تواجه بحسم تخاريف المنحرفين الذين ارتفعت أصواتهم فى السنوات الأخيرة، ويحاولون دائما ركوب موجة التطوير والتجديد والتحديث؛ وهم لا يملكون الحد الأدنى للقيام بهده المهمة.. ذلك أن صدم مشاعر المصريين بخرافات ومزاعم وتطاول سافر على حقائق الدين الثابتة أمر لا يحقق تطويرا ولا يبنى وعيا، ولا يحقق هدفا حضاريا.
لقد سبق وأكد رئيس الجمهورية فى خطابات سابقة أن الشعب المصرى صادق في تدينه، وان الدين يمثل في حياته قيمة كبيرة يجب الحفاظ عليها، وأن اباطيل المتطرفين والتكفيريين الذين ظهروا علي أرض مصر الطيبة فى حقبة زمنية سابقة لا تشكك أبدا في صدق تدين هذا الشعب، ورغبته الجادة في التعرف علي حقائق دينه، وتعاليم شريعته بدون تطرف أو تشدد وغلو.. فدين الله يسر لا عسر، وهو ليس في حاجة إلي عبث العابثين الذين يحاولون خلط الخرافات بالدين والمتاجرة بمشاعر المصريين تحت ستار تجديد الدين وتطويره.
لقد اختلطت- للأسف- معاني التجديد بأفكار التحريف والتزوير في أذهان البعض.. فتحول التجديد علي أياديهم ومن خلال ثقافتهم الهشة إلي تبديد مرفوض ومدان من
2 / 3
كل أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين.. ولعل تصريح أحد رجال الدين المسيحى مؤخرا برفض الكنيسة لكل محاولات التشكيك فى السنة النبوية أصدق تعبيرعن وحدة التوجه الدينى والفكرى المصرى ضد كل صور الانحراف الفكرى والتطرف ضد الدين.. وهنا ينبغى أن يتوقف غير المتخصصين وغير المؤهلين عن الكلام في أمور الدين دون علم.. يجب أن يتركوا أمر تجديد الدين وتطوير خطابه للمتخصصين الذين يعرفون كيف يكون التطوير وكيف يكون التجديد.
الشعب المصرى لا يعيش أزمة فكرية أو ثقافية- كما يصور لنا البعض- لأنه شعب متدين بالفطرة، وحريص على تدينه الفطرى المعتدل، ويلفظ كل فكر منحرف، ولذلك كان له دور كبير وواضح فى مواجهة موجات التطرف الدينى التى حاولت التغلغل فى عقول المصريين خلال سنوات مضت، ووجدت مقاومة صلبة من المصريين الذين هبوا للدفاع عن دينهم، وواجهوا بصلابة وإصرار كل محاولات الاختراق الفكرى.
فى مرحلة بناء عقل الإنسان المصرى وحمايته لا يجوز لدجال أو مدعى نشر وتداول مفاهيم خاطئة عن الدين.. وفى هذا السياق ليس مطلوبا من بعض الاعلاميين أن يتحولوا إلي دعاة يعظون الناس أو إلي فقهاء يفتون ويقولون (هذا حلال وهذا حرام)، وقد قال أحد السلف: “لا تأخذوا العلم الدينى من صحفي” والصحفي فى نظره هو كل من قرأ كتابا أو بعض الكتب وتوهم انه أصبح عالما يقول في دين الله ما شاء.
مصطلح ” التجديد الدينى” لا يزال يصاحبه- للأسف الشديد- لغط وسوء فهم، رغم تأكيد علماء الإسلام الثقات أنه أحد مقومات الإسلام الأساسية، إذا تحققت تحقق الإسلام نظاما فاعلا فى حياة الناس، وإن تجمدت تجمد وانسحب من مسرح الحياة، واختزل فى طقوس تؤدى فى المساجد أو المقابر، وتمارس على استحياء فى بعض المناسبات.
التجديد لا يعنى أبدا تبديد الثوابت الدينية ولا تشويه الأحكام أو مسخها وتفريغها من مضامينها ومقاصدها، أو المساس بجوهرها، فالتجديد الصحيح يستهدف غربلة فكر المسلمين، وغربلة ما وصل إلينا من اجتهادات وجهد السابقين، وإنتقاء ما يصلح للعصر وإعمال عقولنا في النصوص الدينية، والتجديد يستهدف تبصير الناس بالحقائق الدينية الصحيحة وتحصينهم ضد كل فكر منحرف.
لذلك واجب علماء المسلمين “المؤهلين للاجتهاد والتجديد” أن ينطلقوا نحو هذا التجديد، يجددون الفكر، بكل ما هو جديد، ويطورون الخطاب الديني حتى يلقى آذانا صاغية وقلوبا واعية، ويمارسون الإجتهاد الفقهي في جسارة وثقة بعيدا عن
3 / 3
أدعياء التجديد الذين يتبعون قاعدة (خالف تعرف) وكل ما يشغلهم هو ترديد أسمائهم فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى حتى ولو كان بما يسيىء إليهم.
التجديد الدينى الصحيح لا يخاف منه أحد لأنه يمثل أحد أبرز مقومات صلاحية الشريعة الاسلامية، فهو عمودها الفقرى، ووسيلتها الى تحقيق المرونة والسعة التى تعد أبرز خصائصها فقانون التجدد أو التغير هو فى الأصل “قانون قرآنى”، فالله سبحانه وتعالى قد أخبرنا فى كتابه الخالد أنه “لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
b_halawany@hotmail.com