لك كل ما تطلبه بغية أن تصبح عالما لتحقق رغبتي ورغبة المرحومة والدتك ،لقد استأجرت لك شقة تليق بك يا ابن العمدة، وأثثتها جيدا لتقيم فيها ، بالقرب من جامعة الأزهر ،ستمر عليك خادمة ثلاثة أيام في الأسبوع ،لتطهو لك ،وتغسل ثيابك لتتفرغ لدروسك، لاتشغل بالك يأمر عليك بين الحين والآخر للاطمئنان عليك ،وحتى في الإجازة الصيفية فلتمكث بالقاهرة لتنهل من مكتبة الجامعة ودار الكتب ، كان عفيفا وسيما أنيقا،تفوح منه رائحة أغلى العطور ،قدر المسؤولية، نجح بتفوق ، حصل على شهادته الجامعية ، فاتحه والده في الزواج من إحدى بنات كبريات العائلات لكنه أخبره أنه سيتزوج من الخادمة ،أصيب الأب بصدمة ،لكنه رضخ تحت إصرار ابنه فقاطعه،ولكنه كان يرسل له أموالا بانتظام على الرغم من تقاضيه راتبا من وظيفته الجديدة ، ليكمل دراسته العليا ،حصل على الماجستير،ألف عدة كتب هامة ،سجل للدكتوراه ،كاد أن ينتهى منها ،لكن تغيرت أحواله ،لم يعد مهندما كما كان ،صار أشعث الشعر ،غير مهذب الشارب ولا الذقن ،لاحظ مشرفوه تغيره ،ولكن لم يشاءوا إحراجه ،ناقش الدكتوراه ،حصل عليها بامتياز،لكن نظرا لظهور علامات الاختلال النفسي عليه، علاوة على سوء مظهره لم يعين كمدرس في الجامعة ، علم زملاؤه من جيرانه بالحي أنه عاد مبكرا من عمله يوما ليجدها في حضن البواب ،وعلى سريره ،طلقها ،اصيب بصدمة تفاقم تأثيرها ليهيم على وجهه في الشوارع ،ترك شقته ،فشل أهله في العثور عليه ، لكن رآه زملاؤه مرتديا مرقع الثياب، يتسول الناس ، ،ينام في المقابر، وبين الحين والآخر ،يردد عدت مبكرا ذات يوم لأجدها في حضن البواب على سريري، لم أستطع الصراخ ،اكتفيت بطلاقها ،كانت غلطتي أن عصيت أبي،يبكي ، ثم يتوه ثانية ،يتسول الناس ،يبيت في المقبرة ،ولم يسمع عنه أحد أي خبر بعدها ،لكن كتبه التي ألفها يتلقفها طلبة العلم حتى يومنا هذا .