“حقاو خاسوت” ، والتي تعني باللغة المصرية القديمة “الملوك الأجانب” ، أو “ملوك البلاد الجبلية” أو “الملوك الرعاة” ، وقد تم تناقل هذه التسمية عبر العصور ، وتحورت حتَّى أصبحت تنطق “الهكسوس”، وهي التسمية التي أطلقها عليهم المؤرخ المصري القديم “مانيتون السمنودي” ، والتي ترجمها البعض على أنَّها تعني “الملوك الرعاة”.
سبق دخول الهكسوس الى أرض مصر دخول قبائل من الكنعانيين إلى شرق البلاد ، وذلك في نهاية حكم الأسرة الثانية عشرة (تقريبا سنة 1720ق.م) ، ودخلوها في صورة تجار يبحثون عن أسواق لبيع بضائعهم ، وفي صورة فارين من القحط والجفاف في بلادهم ، وفي صورة فارين من الظلم والتجبر في بلادهم ، ووجدوا في أرض مصر الإستقرار لما فيها من مظاهر التحضر والتقدم والرقي والتنظيم الإداري الذي لم يكونوا يعرفونه في بلادهم.
فمع مرور الزمن ، وزيادة أعدادهم من الهجرات الكبيرة التي أتوا بها إلى مصر ، تكتلوا في شرق مصر ، وطمعوا في حكم ما تحت أيديهم من أراضي مصر ، فأسسوا دولة لهم في شرق الدلتا ، وكانت عاصمتها “إيثت تاوى” (ومكانها حاليا قرية “الليشت” بالعياط بالجيزة).
ونعود ل”الهكسوس” ، فهم خليط من عدة شعوب وقبائل ، دخلوا أرض مصر من ناحية الشرق ، قادمين من أرض كنعان وجنوب فينيقيا (فلسطين و سوريا حاليا) ، وبعض القبائل من غرب وجنوب غرب الجزيرة العربية ، وكانت منهم قبائل “بني يعقوب”.
وأما عن كيفية دخولهم أرض مصر ، يقول المؤرخ المصري العظيم “مانيتون السمنودي” أن الهكسوس لم يدخلوا مصر غزاة في حرب ، بل دخلوها في شكل ترحال من مناطقهم إلى شرق ووسط الدلتا ، عبر عشرات السنين بشكل هجرات متعاقبة وكثيفة بسبب القحط والجفاف والإضطهاد والصراعات العرقية أيضا (نفس الأسباب والدوافع التي سبق ودخل بها الكنعانيون أرض مصر كمل ذكرت).
وكانت لهم سمات وعادات تختلف عن سمات وعادات أهل مصر ، فمثلا كانت لهم ملابس تختلف عن ملابس المصريين القدماء ، وعادات وتقاليد أغلبها ذو طابع بدوي قبلي قُح.
فحاولوا الإندماج في المجتمع المصري ، لكنهم فشلوا في ذلك ، للفظ المصريين لهم بسبب سوء طباعهم وعاداتهم.
فإستغلوا فرصة ضعف حكام الأسرة المصرية الثالثة عشرة ، وتطلعوا إلى حكم شمال مصر عن طريق الإستيلاء المتدرج على السلطة.
حتى نجحوا في تجميع أنفسهم ، وقاموا بما يشبه الثورة على حكم الأسرة الثالثة عشر المصرية ، وقاموا بالإستيلاء على شمال شرق مصر ، وإقتطعوه من أوصال الجسد المصري العظيم لفترة تزيد عن قرن من الزمان.
وإتخذوا من مدينة أواريس (وهي المدينة المصرية القديمة “حت وعرت” والتي يعني إسمها “بيت المنطقة” ، وتقع حاليا في منطقة “تل الضبعة” بمحافظة الشرقية) ، عاصمة ومقرا لحكمهم ، وكان ذلك في عام 1650ق.م
وطوال فترة حكمهم لهذا الجزء من أرض مصر ، لم يقدموا شيئا يذكر ، ولم ينهضوا بمنطقة حكمهم لا إقتصاديا ولا سياسيا ولا إجتماعيا.
وتنقسم فترة حكم الهكسوس إلى مرحلتين رئيسيتين ، الأولى هي مرحلة “الهكسوس الكبار” ، والثانية مرحلة “الهكسوس الصغار” أو “الملوك الضعاف”.
أدخل الهكسوس معهم معتقدات ديتية تناقض معتقدات المصريين القدماء التوحيديه ، فقد إتخذوا النتر “ست” إلهاً لهم من دون الله الواحد الذي يؤمن به المصريون.
نجح الهكسوس الكبار في السيطرة على جزء كبير من الدلتا (شرق ووسط الدلتا فقط) ، فيما ظل الصعيد ومدينة “طيبة” عاصمته وبلاد النوبة تحت حكم الملوك المصريين
لكن ، وللأسف ، مع ضعف قبضة ملوك الصعيد فقدت مصر سيطرتها على بلاد النوبة ، وإستقلت النوبة عن مصر ، وأسس النوبيون لهم سموها مملكة “كوش” وكانت تجمعهم علاقة طيبة بالهكسوس ضد الحكم المصري.
ثم مرت السنون ، حتى وصل الأمر لملوك لم يقبلوا بالضعف ولا إستمرار فقدان الأرض المصرية
فنشأت في جنوب مصر ، الأسرة المصرية السابعة عشرة ، والتي أنهت حكم الأسرة المصرية الثالثة عشرة في طيبة ، وكانت هذه الأسرة تسيطر على مصر العليا حتَّى القوصية في مصر الوسطى.
في البداية كان حكام طيبة الجدد يقدمون بعض الضرائب للهكسوس حكام الدلتا ، لكن ميول حكام طيبة لإستعادة حكم مصر بدأت تتوضح من خلال تجهيزاتهم العسكرية لمحاربة الهكسوس ، وتبدأ هذه المرحلة مع الملك “نب خبر رع” ، والذي أصر على إستعادة حكم مصر من براثن العدو الهكسوسي البغيض ، فبدأت التعبئة لمواجهة الهكسوس عسكرياً وطردهم من مصر.
ثم تبلورت حركة الإستقلال المصرية في عهد ملك طيبة العظيم “سقنن رع” (تاعا الثاني) ، حيث كان حاكم الهكسوس آنذاك الملك “أبوبي” أو (أبوفيس) ، والذي كان يحاول أن يقنع ملوك طيبة بالتوقف عن التدريب والتجهيز للحرب ، لكنه لم يفلح فاندلعت الحرب بين الطرفين.
ومع إندلاع حرب التحرير المصرية ، سقط الفارس الملك “سقنن رع” شهيدا ، فحمل إبنه الملك “كاموس” أو (كاموزا) عنه لواء الكفاح المسلح في مواجهة الهكسوس.
خاض “كاموس” حربه ضد الهكسوس بجسارة وثَّقتها لوحات معبد الكرنك المحفوظة في المتحف المصري ، كما إستعاد السيطرة على أجزاء من النوبة شمالاً ، وكان النوبيون قد أعلنوا ولاءهم لملك طيبة وشاركوه معاركه ضد الهكسوس.
ولكن سقط الملك “كاموس” ، شهيدا كوالده في معارك التحرير.
حتى أتت الملكة المقاتلة “إياح حتب ” وإبنها الأمير ثم الملك “أحمس الأول” ، عام 1550 ق.م ، وفي جيش قوامه 48 ألف مقاتل مصري ، وحاصروا عاصمتهم “أواريس” ، وقاتلوهم حتى هزموهم شر هزيمة ، وقضوا على هؤلاء المحتلين ، وكان آخر ملوكهم يدعى “خامودي” ، وإستأصل “أحمس” شأفتهم من أرض مصر الطاهرة ، وتعقبوا فلولهم حتى طردوهم من أرضنا ، وكان عددهم يفوق 240 ألف إنسان ، طاردهم الجيش المصري حتى وصلوا إلى أرض كنعان ، وهناك تجمعوا وأسسوا مدينة أطلقوا عليها إسم “يودا” أو مدينة “القدس” الحالية