في هذا الموعد من كل عام ينتاب الأسرة المصرية القلق، والتوتر، بل وجمع أنواع الضغوط؛ حرصًا على مستقبل أبنائهم الذين يدخلون غمار اختبارات الثانوية العامة.
ورغم الضغط النفسي الذي يقع على الأبناء في هذه المرحلة المفصلية من حياتهم جراء ما يدرسونه من محتوى دراسي مكثف، وما يرتبط به من نظم امتحانية أضحت تهتم بقياس مهارات التفكير العليا لديهم، وتحد من الاهتمام المبالغ فيه تجاه قياس التحصيل في مستوياته الأولية؛ فقد بات الاستظهار مستوى يعين فقط لبلوغ المتعلم خبرات تتسم بالعمق وتتحلى بمسارات الابتكار والإبداع مرورًا باستنتاج وتفسير واستنباط واستيعاب مفاهيمي ومقدرة على التحليل والاستخلاص.
ومسببات القلق معلومة لدينا في المرحلة الثانوية؛ حيث إن النتيجة المرتقبة تحدد صورة مستقبل المرحلة التالية، والتي يترتب عليها الانتساب لكليات بعينها أو معاهد فنية، في ضوء معيار الدرجات التي يتحصل عليها كل طالب، كما أن مغمار التنافس واللحاق بالمقاعد المحدودة في بعض الكليات يبدأ منذ تسجيل الطلاب بهذه المرحلة المليئة بزخم الاستعداد الذي قد يكون مبالغًا فيه لحد كبير، ومن ثم يشكل ضغوطًا حياتية على الأسرة والطلاب.
وطموح طلابنا بالمرحلة الثانوية مشروع حيال ما يحلم به كل طالب بعد مروره من عنق الزجاجة ليتابع مسيرة تعلمه التي ينشدها ويأمل أن يحقق فيها غاياته وما يتطلع إليه في حياته العملية والعلمية والمعيشية، وهذا ما قد يزيد من حالة التوتر لدى الطلاب وينتقل بالتبعية للأسرة التي تقدم ما تسطيعه كي توفر المناخ الداعم الذي يعين الأبناء على إنجاز ما عليهم من مهام والمتمثلة في أداء الامتحانات بكامل الاستعداد الذهني والبدني.
وما يواجهه العالم وفي القلب مصر من تحديات اقتصادية؛ إلا أن الأسرة المصرية تصنع المستحيل من أجل الاستعداد التام لتلك المرحلة التي تشكل أهمية بالغة لدى الجميع؛ فنرى ونرصد المتابعات اللحظية لمجريات الدراسة والامتحانات والتي تشغل المجتمع بكامله، ونشاهد الاستعدادات التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم بداية من تجهيزات الدراسة حتى الانتهاء من استخراج نتيجة الثانوية العامة، وبالطبع نتابع جهود العديد من الوزارات والجهات المعنية، والتي تجرى على قدم وساق في توفير التأمين والدعم على مستوى ربوع الوطن قاطبة.
وفي هذا الخضم نأمل أن نقدم ما يحد من حالة القلق الزائد التي تؤثر سلبًا على الطالب والأسرة، وتفاقم من حالة الفزع والانزعاج وتنامي الانفعالية في مستوياتها غير المحمودة، بل وقد ترفع من درجة الخوف والرهبة، الأمر الذي قد يطيح بجهود طلابنا ويبدد قدراتهم وطاقاتهم وتركيزهم، أو يضعف من عزيمتهم، أو يشوه البنى المعرفية المكتسبة نتيجة للضغوط النفسية المتوالية، وهنا ينبغي أن نؤكد على ضرورة توافر المناخ الأسري الذي يسهم بصورة إيجابية في رفع مستوى الإنجاز الأكاديمي لدى الأبناء؛ حيث تمكنهم من اكتساب الخبرات التعليمية المنسدلة من المقررات الدراسية، ومن ثم أمل الوصول لمرحلة الإتقان المنشودة.
إننا في احتياج بالغ تجاه تنمية ثقة طلابنا بأنفسهم وتعظيم قدراتهم حيال القيام بالمهام المنوطة بهم؛ فقد أضحى بث الطمأنينة عاملًا مهمًا في تبديد الخوف والقلق بصورة ممنهجة، ومن الأمور الداعمة للطلاب والتي تمكنهم من بلوغ مراحل التثبت وكسب الثقة تدريبهم على أنماط الأسئلة الامتحانية التي تعتمد على قدح الأذهان وتوظيف مهارات التفكير العليا في حل ما يطرح عليهم من مشكلات وقضايا وتساؤلات ترتبط بمحتوى المقررات الدراسية.
ونذكر بأن على الأسرة مهمة توفير مكان أو أكثر يصلح للاستذكار تتوافر فيه عناصر الراحة النفسية والبدنية ويخلو من معوقات اكتساب الخبرات التعليمية المستهدف جنيها، و- في ذات السياق – نوصي بأن تتوافر لدى الطالب مقومات الصفاء الذهني عند الاستذكار حتى يستوعب ما يقرأ؛ فلا جدوى من مذاكرة تحت وطأة الإجهاد أو الإرهاق الذهني والبدني على السواء؛ لذا يشترط أن يمتلك المتعلم حالة النشاط التي تساعده في القيام بالمهمة المنشودة.
وأخذ الطالب قسطًا كافيًا من النوم يزيد من استعادة نشاطه ويجعله قادرًا على الاستيعاب الأكاديمي، كما أن هناك ضرورة لكسر حالة الروتين في آليات الاستذكار حتى لا يصاب الإنسان بالملل والفتور، أو قد يتسلل لديه إحباط ناتج عن طول الفترة الزمنية أو قصرها، مع دعمنا الخاص بتوافر البيئة الفيزيقية التي يتوافر من خلالها الإضاءة المناسبة والتهوية الجيدة، وإزالة ما يعوق أو يتسبب في صعوبة الاستذكار.
وللتغذية الصحية دور في تنمية مقدرة المتعلم على التحصيل؛ إذ تمده بالقدر الكافي والآمن من الطاقة التي تجعله في حالة من التركيز، وفي المقابل ينبغي أن نستبعد كثرة تناول المنبهات التي تضير بالفرد بمرور وقت تناولها، ويجب مراعاة تجنب عقد مقارنة بين متعلما وزميل له؛ فهناك فروق فردية؛ حيث لكل فرد قدراته الخاصة من حيث درجة الذكاء وتفوقه في مستويات منها دون أخرى، ناهيك عن قدرات التحمل والتكيف والتوافق مع ما يتعرض له من خبرات تعليمية؛ فما هو سهل على متعلم صعب على آخر.
وندعو الأسرة المصرية قاطبة إلى التخلي عن مصادر ومسببات الضغط النفسي التي تمارس بقصد أو دون قصد على طلاب المرحلة الثانوية والتي تبدو في توتر الآباء والأمهات والعصبية الزائدة تجاه بعض سلوكيات وممارسات الأبناء، والتأكيد على التفوق وحصد أعلى الدرجات، وفي المقابل يتوجب على الأسرة تعزيز الأبناء ودعمهم بفنيات معينة على الاستذكار منها محاولة الاستعانة بتنوعات المصادر للمادة الواحدة؛ حيث تأكيد صورة الخبرة في الأذهان وتعميقها قدر المستطاع؛ فأسلوب عرض المعلومات والمعارف قد يتباين من مصدر لأخر، كما أن فترة المراجعة الكافية من الأمور التي تعين المتعلم على تثبيت معلوماته وخبراته، وتحد من مسببات النسيان، وتكشف له مواطن الصعوبة فيحاول التغلب عليها بالطرائق التي قد تعتمد على التكرار والاستعانة بخبرات الآخرين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله أبناءنا، واستودعنا مستقبلهم إيّاه، وأدام على وطننا وقيادته الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر