… مشمشة الأيام الخوالي
يقول الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي في كتابه نجوم السينما العربية:
(شيء ما يتلألأ في روح سعاد حسني ويظهر جليًا على الشاشة، ويبدو كسرٍ من الأسرار التي يصعب إدراكها أو تفسيرها. إنه ذلك النبل الخاص الذي يلتمع للحظة في العينين مهما كان إذلال الموقف الذي تعايشه).
أجل… تمضي اليوم عشرون سنة على الرحيل الصادم للنجمة المدهشة سعاد حسني، حيث وجدوا جثتها منطرحة على الأرض بعد أن سقطت من شرفة الشقة التي كانت تقطن بها بلندن،
وأذكر أن صحفيًا مصريًا كبيرًا مقيم في العاصمة البريطانية قال لي، والرجل وزوجته صديقان عزيزان لسعاد، قال لي إنه لا يشك لحظة في أن سعاد ماتت مقتولة، وإن الكلام عن الاكتئاب الذي اعتراها ودفعها إلى الانتحار مجرد أكذوبة!.
إن أي حديث عن بطلة (خللي بالك من زوزو) ينبغي أن نستهله بتقديم الشكر الجزيل إلى روح المبدع الشامل الراحل عبدالرحمن الخميسي (1920/ 1987) الذي لعب دور الشيخ يوسف في فيلم (الأرض)،
ذلك أن هذ الرجل الفذ هو من انتبه إلى الموهبة المتفجرة في وجدان سعاد وروحها، فقدمها للمخرج بركات ليمنحها أول بطولة أمام محرم فؤاد في فيلم (حسن ونعيمة 1959).
اللافت للانتباه أن سعاد على الشاشة كانت مثالا للطالبة الجامعية ابنة الطبقة المتوسطة أو الصغيرة بامتداد حقبة الستينيات، ففي تلك الآونة أقرّ نظام عبدالناصر مجانية التعليم الجامعي،
الأمر الذي دفع مئات الآلاف من بنات الفقراء إلى الالتحاق بالجامعة، (عدد المصريين عام 1966 بلغ أكثر من 30 مليون نسمة كما ذكر جمال حمدان). ولأن غالبية رواد السينما من الشباب، فإن سعاد الشابة المتعلمة المرحة المقبلة على الحياة صارت حلمًا يراود الشباب مثل المهمشة اللذيذة.
تذكر معي أفلامها التي قدمتها في عامين اثنين فقط:
(البنات والصيف/ غراميات امرأة/ ثلاثة رجال وامرأة/ إشاعة حب/ مال ونساء/ 1960)، و(السبع بنات/ لماذا أعيش/ السفيرة عزيزة/ هـ. 30/ أعز الحبايب/ الضوء الخافت “وهو مفقود حتى الآن”، مافيش تفاهم 1961)،
وهكذا واصلت العمل بكثافة طوال الستينيات، حيث بلغ مجمل أعمالها أكثر من 80 فيلمًا، معظمها أنتجت في تلك الحقبة، حيث استحوذ دور الطالبة الجامعية على معظم هذه الأعمال، لدرجة أنها قدمته في فيلم(الكرنك 1975) وقد بلغ عمرها نحو 33 سنة!
تمتعت سعاد بوجه متناسق الملامح تزينه عينان واسعتان يشع منهما بريق أخاذ. هذا الوجه الجميل مزوّد بمهارات استثنائية في القدرة على التعبير،
حيث يمكن لسعاد أن تنتقل في لحظات من الفرح إلى الحزن إلى الغضب إلى الشرود إلى الضحك، وفي كل مرة نصدقها وننفعل معها.
بالنسبة لي أضع هذه الأفلام في أكرم ركن من سيرة هذه الممثلة الفذة، وهي:
(القاهرة 30/ الزوجة الثانية/ غروب وشروق/ الحب الضائع/ أين عقلي/ على من نطلق الرصاص/ المتوحشة/ المشبوه/ موعد على العشاء/ غريب في بيتي/ الراعي والنساء) وهو آخر أفلامها،
ولعل المشهد الذي تعاتب فيه أحمد زكي لأنه قرر مغادرة البيت بعد أن اكتشفت خيانته مع يسرا… أقول: لعل هذا المشهد هو أفضل ما اختتمت به حياتها السينمائية،
فقد لمعت الدموع في العينين الحائرتين، وتجسد ضعف الأنثى في أرق المشاعر، وانكسر كبرياؤها من أجل حث أحمد زكي على البقاء. كل ذلك في ثوان معدودات.
لقد وصفها كمال رمزي بدقة كما ذكرت في أول المقال، وها هو مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة برئاسة الناقد الكبير عصام زكريا يكرّم الأسبوع الماضي الأستاذ كمال، وكأنه يحتفل أيضا بسعاد حسني… فما أجمل تكريم الناقد والفنانة.