إن التغيير الوزاري المرتقب من قبل الدولة المصرية يقوم على اختيار دقيق لمن يوكل إليهم مهام الحقائب الوزارية؛ حيث إن المسئولية تقتضي أن من يقع عليه الاختيار ينبغي أن يمتلك التميز والتفرد في مجال تخصصه؛ بالإضافة لبعض المعايير التي تُعد شرطًا في هذا الاختيار، ويأتي في مقدمتها الوطنية الخالصة والولاء والانتماء لكيان الدولة، والمقدرة على صيانة أمنها القومي في البعد المنوط بكل وزارة من وزارات الوطن الحبيب.
ونأمل ممن يقع على كاهلهم المسئولية الاهتمام بتعليمات القيادة السياسية والعمل على تحقيقها بشكل مباشر؛ لنضمن تحقيق ماهيةأبعاد الأمن القومي المصري، وفي قمة أولوياته الرقي بالمورد البشري قاطرة النهضة والرفعة والازدهار؛ فلا إعمار يحدث ولا منشود يتحقق في ضوء إهمال للطاقات البشرية، وإضعاف إعمال العقول المبتكرة في مجالاتها المتنوعة، ومن ثم تتوقف استدامة النهضة في ربوع الوطن على سواعد أبناء هذا الشعب العظيم الذي سيظل درعه ومزاده في كل وقت وحين.
وتنمية التفكير ورفع الكفاءات البشرية ليس قاصرًا على وزارة بعينها؛ فجميع الوزارات دون استثناء يقع على عاتقها هذا الأمر الجلل، الذي يضمن إنتاجية متميزة فيما يؤدى من مهام وأعمال؛ حيث أضحى الاهتمام ببنية الفكر وبلوغها مستويات متقدمة السبب الرئيس لبلوغ الابتكار، وهو ما تتبناه سائر الدول المتقدمة وتنفق من أجله كل غال ونفيس؛ كي تتحصل عليه سواءً بتقديم تعليم متميز، أو تدريب مستمر يواكب مجريات تطور الأسواق العالمية في ثياب تقني متغير يعتمد على ماهية الريادة والتنافسية.
ومن المهام الثقال التي هي مناط الحكومة الجديدة بعد التغيير الوزاري مباشرة العمل على تنمية موارد الدولة المادية وصيانة المقدرات؛ فلا عجب أن مصر العظيمةبلد كبير ذات موقع جغرافي رائع ومتفرد، وهذا البلد غني بالعديد من الثروات الطبيعية والموارد التي إذا ما تم تعظيم تصنيعها تحقق ثراءً منشودًا في بوتقة الاقتصاد بكل تنوعاته ومكوناته، بما ينعكس إيجابًا على تعزيز مقدرة الدولة في الإنفاق الخدمي المباشر لجموع الشعب؛ فتقدم تعليمًا ورعاية صحية وفق معايير الجودة التي نتطلع إليها، ونتلمس شموليتها في شتى ربوع هذا الوطن الغالي.
وفي خضم التحديات التي تزداد يومًا تلو الآخر على الصعيدين الداخلي والخارجي نرى أن حجم المسئولية مضاعف على هذه الحكومة تجاه القطر المصري، ومن ثم يتوجب على من يتولى حقيبة وزارية أن يمتلكرؤية استراتيجية تضيف لخطة الوزارة الاستراتيجية ثراءً، وتسهم في دفع عجلة التقدم والرقي بجميع مؤسساتها، وتحقق غاياتها التي تتواكب وتتوافق مع استراتيجية الدولة الطموحة، ومعيار الحكم هنا نلاحظه من رضا المجتمع المؤسسي والمجتمع المستفيد على وجه الخصوص.
وثمة مهمة ثقيلة وخطيرة يتوجب على جميع الوزات القيام بها في صورتها المكتملة؛ ألا وهي الاهتمام بقضية الوعي الوطني والمجتمعي في صورته الصحيحة؛ فلا شك أنه أضحى سياجًا نصون به مقدرات بلادنا الحبيبة؛ فإدراك المواطن لدوره في التنمية مهم للغاية، ومعرفته بمسئولياته المتعددة داخل الإطارين المؤسسي والمجتمعي يجعله إيجابيًا يسعى دومًا لتحقيق ما يوكل إليه من أهداف آنية كانت أم مستقبلية، كما يدرك دوره الفعال في عقد شراكات ومشاركات بشتى تنوعاتها؛ ليوقن أنه مؤثر وبيده مناط التغيير بالسبل التي شرعها دستور البلاد.
إننا ندرك جليًا أن تقييم وضعية الوزارة ليس بالأمر البسيط؛ فهناك محكات تقابلها تحديات تنحو بنا أن نتحرى طبيعة المرحلة، ومن ثم لا نصدر بصورة عفوية حكمًا متسرعًا على نتاج أي وزارة؛ لكن لا ريب من أن يكون لدينا طموح نحو تحسن وتطور وتقدم نشاهده في ظل تولي الحكومة الجديدة التي نتمنى لها التوفيق وسداد الخطى.
إن التغيير الوزاري سيتمخض عنه حكومة يُعد نجاحها مرهون بمقدرتها على كسب الثقة، ومن ثم يتشكل مناخ الدعم والاستقرار؛ فتستطيع أن تحدث نقلات نوعية في المجالات التنموية ويأتي في مقدمتها المجال الاقتصادي؛ إذ يحتاج لسياسة استثمار الطاقات، وبذل مزيد الجهود في قطاعات ومؤسسات الدولة المختلفة، ومن ثم تتعاظم الإنتاجية ويزداد العطاء، وتتنامى المسئوليات من قبل المواطن قبل أن يقع على عاتقه المساءلة، وذاك هو الفقه والوعي المجتمعي في صورته المثالية التي تنهض بمقدرات الوطن وتعلو من شأنه وتعضد من ماهية الولاء والانتماء لترابه الغالي.
ونهيب بالحكومة الجديدة ضرورة أن تأخذ على عاتقها فرض مزيد من الرقابة والمتابعة الميدانية، والتي بهما يتم الكشف عن أوجه القصور، ومعالجتها، والحد من صور الفساد الظاهرة منها والباطنة؛ فقد أضحت المتابعة المكتبية لا تفي بالغرض منها، ولا تحقق الهدف المنشود، ولا تعمل على سد الغور في العديد من الجوانب التي تخص الوزارات بالدولة، ومن ثم تعمل المتابعة الميدانية المشار لأهميتها على إدارة مرافق الدولة بالصورة الصحيحة ما لم تكن المثلى؛ فلا تعطيل يحدث، ولا نهب ينال مواردها، ولا فساد إداري يتخلل إجراءات تشغيلها، مما يسهم في تنميتها لتحقق ماهية الرضا لدى المجتمع جراء استخدامها.
إن عزيمة قيادتنا السياسية وإرادتها الصادمة وعقيدتها الراسخة وعزيمتها التي لا تلين تجاه تحقيق النهضة المنشودة تحتم على الحكومة الجديدة أن تواصل العمل – ليل نهار- لتثبت مقدرتها وجدارتها على إدارة ملفات الدولة؛ فما ننشده ليس بالقليل وما نتوقعه يفوق الخيال في ظل عالم منفتح يطالع كل إنسان من خلاله ما تحدثه حكومات الدول المتقدمة.
ومما لا شك فيه أن رؤية الدولة واضحة، ومسار النهضة منفتح على مصراعيه، ومن ثم باتت الشراكة أصلًا ثابتًا في تحقيق غاياتها؛ فالوطن للجميع، وعلى الجميع أن يعمل ويجتهد ويتقن حرفته أو مهنته أو صنعته؛ فالبناء قضية كل مصري ومصرية وليس حكرًا على وزير أو مسئول بعينه؛ فبنا جميعًا نحقق طموحاتنا وآمالنا المشروعة لنا ولأجيال المستقبل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر