بعيدًا عن مفردات ومصطلحات ومفاهيم التربية أتحدث؛ فأقول عندما أستطيع في مهنتي أو نمط حياتي حينما أواجه قضية أو مشكلة أمامي؛ فأحرص وبكل هدوء على القيام بتحديد القضية أو المشكلة؛ لتصبح أكثر وضوحًا في تفاصيلها، وأركز في موضوعها ليشغل حيز تفكيري، وأهتم بالبحث عن بدائل لحل المشكلة أو القضية، وأضع في اعتباري مراجعة وجهات النظر الأخرى، وأهتم بالتعرف على الأطروحات والمدخلات التي توصف بالجدة، ويكون لدى المقدرة على تعديل القرار أو وجهة النظر عند توافر أدلة على ذلك، وأتخذ القرار وفق أهداف ومعايير واضحة، وأتحرى الموضوعية في الأحكام، ولا يفوتني الإمعان في حل القضية أو المشكلة، وأن أنتهج المثابرة حتى التوصل لحل مرضٍ، وأتحلى بالصبر في إصدار الأحكام أو عند اتخاذ القرارات أو في تكوين المعتقد، ولا ضير من تأجيل إصدار الأحكام أو اتخاذ القرارات أو تكوين المعتقد عند صعوبة توافر الأدلة الكافية لذلك؛ فهذا مجتمعًا يشير دون مواربة إلى التفكير المنتج لدى الفرد في صورته الوظيفية.
إن ما ذكر من ممارسات يؤديها الفرد مستخدمًا مهارات التفكير المنتج سالفة الذكر تؤكد لدينا خروجنا عما ألفناه في آليات تفكيرنا المعتادة، ومن ثم يصعب أن يكتسب الإنسان هذا النمط من التفكير بعيدًا عن تدريب مقصود؛ فالعفوية والتلقائية لا تصل بنا لأن نتبع هذا المسار المحكم عبر أذهاننا المليئة بالمشاغل والمشتتات، وهنا نخاطب صراحة مؤسساتنا التعليمية لأن تهتم وفق منهجيتها بتنمية هذه الأنماط التفكيرية التي تساعد أبنائنا في بناء خطو ذاتي متقدم نحو مستقبلهم الذي أرى فيه ملامح الإشراق والضياء رغم ما نحن فيه من تحديات.
وفي خضم هذا النمط من التفكير يستطيع الإنسان منا أن يستثمر ما لديه من بُنى معرفية بشكل جيد؛ فعندما يواجه موقفًا في حياته، أو يوكل إليه حل قضية بعينها؛ فسوف يسارع إلى مخزن معارفه وخبراته في بداية الأمر، ثم يبدأ في الخطى السالفة في مستهل الحديث؛ فيصل للهدف الذي ينشده، ويعد ذلك توظيفًا حقيقيًا للربط بين النظرية والتطبيق؛ لذا يُسهم التعليم في إعداد الفرد للحياة كي يواجه مشكلاتها وتحدياتها، ويستطيع أن يقدم لها حلولًا ابتكارية تستفيد منها البشرية قاطبة، بل وتمتد يد المستقبل لتنهل منها.
والإنتاجية أمر محبب للنفس البشرية ولطبيعتها الخيرة بصورة عامة؛ فهناك من بني البشر من يسعى دومًا لتحقيق كل ما هو جديد أو غير مألوف؛ لذا تتباين فيما بيننا طبيعة دوافعنا الداخلية والخارجية نحو القضايا التي نتعرض لها في حياتنا العلمية والعملية والمعيشية، ومن ثم صار العمل على تنمية التفكير المنتج أمرًا ليس اختياريًا في ظل تقدم رهيب غمر مجالات الحياة بتنوعاتها المختلفة.
وما احوجنا لإنسان لديه مقدرة تامة على أن يتفاعل مع مجتمعه بذهن صاف وإدراك صحيح؛ ليواجه القضايا والمشكلات بمشاركات بناءة وفق ما لديه من خبرات نوعية؛ ليكشف لنا عن حلول ليست بالتقليدية مستخدمًا منهجية التفكير المنتج التي من خلالها يحدد القضية ويبحث عن بدائل متنوعة تشكل حلولًا يختار أفضلها لتصبح نواة لاتخاذ قرارات من شأنها أن تعالج القضية أو المشكلة من جذورها، وعبر ذلك نستطيع معًا رسم سيناريو المستقبل الذي يفي باحتياجاتنا ومتطلباتنا في سائر مناحي الحياة وأشكالها.
وثمت مراجعة يتطلب أن تتم في مناهجنا ومقرراتنا التعليمية وما تقدمه من أنشطة تتضمن خبرات متنوعة لأبنائنا في الحقل التعليمي؛ إذ يتحتم أن نعمل قاصدين في تدشين مهام تمكن المتعلم من أن يمارس نمط التفكير المنتج؛ فنساعده بآليات متنوعة على أن يخرج ما لديه من أفكار ونحضه على أن يتوسع فيها ويتشعب في عرضها، ومن ثم نشجعه على المشاركة الإيجابية من خلال أن يسارع في وضع مزيداً من الحلول حول القضية أو المشكلة مجال التعلم، ويختار أفضلها في ضوء معيارية القابلية للتنفيذ، وهذا ما نسميه استثمارًا للطاقات الكامنة لدى المتعلمين بصورة وظيفية عبر خبرات مخططة ومقصودة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر