رسالة المؤسسة التربوية، تقوم على إكساب الإنسان خبرات، من شأنها مساعدته على التفكير، والتفكر، والتأمل؛ من أجل أن يطور من أدائه، ويؤثر بصورة إيجابية على محيطه؛ ومن ثم يصبح أداة بناء مجتمعية، يضيف للثقافة في أبعادها المختلفة، ويساهم في إحداث نقلات نوعية بمتلون المجالات، وهنا نترقب ثمارًا غير محدودة، نجنيها من النظام المؤسسي، نتطلع أن يتحقق من خلالها جودة الحياة التي ننشدها.
رغم دور المؤسسة التربوية، في بناء إنسان قادر على العطاء، ورغم منظومية الأداء، والتكوين، التي تشمل عناصر محددة لهذا الغرض النبيل؛ إلا أن هنالك متغيرات، أضحت ذات تأثير بالغ، في مخرجات نظمنا التعليمية، وهذا ما يؤكد ضرورة المواكبة، بل ومنهجية العمل على سباق التطور المتسارع؛ بضخ مزيد من الخبرات، بما يسهم في تأهيل الفرد للبيئات، التي باتت تعتمد على التقنية بصورة رئيسة؛ ليصبح قادرًا على التكيف والتوافق معها.
التخوف من التناقضات، نرصده في محتوى ومهام الأنشطة، التي نقدمها للأبناء داخل مؤسساتنا التعليمية، متباينة التجهيزات والمقومات؛ فهناك من يقتصر على تقديم محتوى التعلم في صورته التنظيرية دون العملية؛ نظرًا لقصور في الأدوات والمعينات، وهنا تبدو التباينات في مستويات التمكن من الخبرة أو فرص التعميق فيها؛ رغم وحدة الغاية من البداية؛ لذا يتوجب أن نعمل على توفير الحد الأدنى، من معطيات المكون الخبراتي؛ لنضمن الحد من هذه التناقضات.
نحاول أن نكسب الأبناء مهارة المرونة؛ لكن نتعامل بالبيروقراطية داخل نظمنا التعليمية؛ فترى أن الأمر لا يستقيم، وأن ما نود اكسابه لهم، يتناقض مع الممارسة؛ فتبدو جهودنا في مهب الريح؛ ومن ثم ينبغي أن نراقب الأداء المؤسسي؛ كي تصبح بيئاتنا التعليمية في سياقها، تعتمد على المرونة في واقع وجل الممارسات، وهنا لا ندعو إلى الإخلال بالنظام المدرسي، أو بديمومة التفاعل؛ لكن نتبع سياسة التغيير، عندما يستلزم الموقف ذلك.
قد نخطط لنشاط بعينه؛ ثم نكتشف أن طريقة التناول، لا يتقبلها كثير من الأبناء؛ حينئذ يتوجب علينا أن نغير من الآلية، أو الطريقة؛ لنحدث الأثر المرغوب فيه، وهذا أنموذجًا للمرونة، التي لا تكرس للتناقضات؛ حيث إن دعوتنا لمراعاة الفروق الفردية واضحة؛ ومن ثم ينبغي أن يمتلك صاحب الرسالة السامية، المقدرة على تغيير استراتيجياته، إذا ما تطلب الموقف التعليمي ذلك.
قيمة الاتقان نغرسها، من خلال إتاحة المزيد من الفرص أمام الأبناء؛ كي يحققوا ماهية عمق التعلم؛ ومن ثم لا يصح أن نتجاهل قدرات الفرد الخاصة؛ حيث يجب أن نهيئ له المناخ المناسب، لاكتساب خبرات التعلم، ونقدم له من التعزيز، ما يحثه على مواصلة مسار تعلمه، ونمده بالتغذية الراجعة حال الإخفاق؛ كي ندعمه حال تعثره؛ ومن ثم لا ينبغي أن نحدث تناقضات، بتجاهل خصائص وطبيعة الإنسان، سواءً في سلمه التعليمي، أو المجال النوعي الذي يكتسب من خلاله خبراته.
قيمنا المجتمعية المتوارثة، نربط ممارساتها عبر ما نقدمه من محتوى، نحوله لخبرات وظيفية، تعضد تلكم القيم، وهذا ما يجب أن تترجمه، كافة الممارسات داخل البيئة التعليمية، وتؤكد المؤسسات الأخرى تلك الغايات، بمزيد من المواقف، التي تبرهن على صحيح تلك القيم النبيلة؛ فدور الأسرة، والمؤسسة العقدية، والإعلامية، والمؤسسات المجتمعية، غاية في الأهمية، تجاه إحداث التكامل؛ فعند التعارض تحدث التناقضات، التي تشكل خطورة على تربية الأبناء.
نأمل أن نكامل بين ما يتلقاه المتعلم في البيئة التعليمية التي صارت ثرية بخبرات أضحت مرتبطة بمتغيرات الأحداث العلمية، وبين منظومة القيم التي نحمي بها مجتمعنا؛ كي يصبح قادراً ورائدا في مجاله، ويمكنه أن يتصدى لكافة التحديات التي قد يواجها في المستقبل، وهنا يتوجب ألا نعرضه للتناقضات، التي تضير باتجاهاته وتوجهاته ووجدانه.
بناء وتكوين المواطن الصالح، لا ينفك عن تعزيز الهوية التي نصقلها بمنظومتنا القيمية، وهنا لا بد أن نحرص على تقدم خبرات مناهجنا التعليمية، خبرات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية؛ ومن ثم ينبغي أن نطور بصورة مستدامة من برامجنا، ونفعل استخدام التقنيات، التي تزيد من فاعلية ونشاط المتعلم، داخل أسوار المؤسسة التربوية وخارجها؛ فيصبح التعلم مستدامًا، والمتعلم إيجابيًا، لديه من الشغف ما يجعله يستكمل مسار تعلمه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر