تدثر الكثيرون برداء الوطنية المصرية لهجاً وتوقاً، واشرءبت أعناقهم لاسم مصر ابتهاجاً، وسرت في عروقهم صبغة مصر ارتواءً، واختلجت مشاعرهم بالغيرة على مصر حنيناً وأنيناً، فإذا هي الأم التي قد وسعتهم، فأغنتهم عن سائر الدنيا وكلأتهم، فهي دون غيرها كيمياء سعادتهم، ولهي مستقرهم ومستودعهم….
وحتى لا تضيع حلقات الاتصال بين الماضي التليد والحاضر المكلوم، يحرى بكل لبيب التطواف في ثنايا الإرث المصري الحضاري الفخيم، وكيف للمرء أن يغض الطرف عن اسم مصر، وأنّى للبصيرة أن تنزوي عن هذه البهيجة الشماء في قلب الدهر، وتلك صفحة جديدة مسداة من كناشات الأزمنة القشيبة، صفحة من الأزمنة المواضي، تبوء بمشهد تختلج له قلوب القواصي والدواني، امتزج فيها الفيض الأخلاقي، بالنبل الإيثاري، بالتأنق الأرستقراطي، بالبعد الإنساني،..
من جملة تاريخ مصر، اختصفت ورقة تحمل في طيتها زخرفاً لامعاً لا يقبل الصدأ قط، لعائلة رافق عطاؤها مئات الأحقبة في تاريخ مصر… الشواربي باشا ، اسم تناغم مع كل عصر…
اسمٌ عربي عتيق يُنسب لقبيلة جُرهم، نزح عميدها الأول إلى مصر برفقة عمرو بن العاص رضي الله عنه إبان فتح مصر، ومنه انبثق الأخيار واحداً بعد آخر، آووا الظاهر بيبرس وأكرموا وفادته، فأغدق عليهم بالأراضي الشاسعة في نواحي القليوبية والشرقية والمنوفية، وكانت شبرا مستقرهم، ليشتق اسمها من اسمهم،،
كانوا إقطاعيين ولكن بحس إسلامي وطني مبين، لطفاء المظهر ورفقاء المعشر، كابراً عن كابر….
فسليمان باشا الشواربي جهز جيشاً عرمرم من خلاصة الفلاحين ، لاستئصال شأفة الفرنسيين، وليس بضائر جسارته أن يعدم، مع رفيقه سليمان الحلبي، فطوبى للسليمانين منزل المجاهدين….
وعلى درب سليمان الشواربي، يمضي محمد باشا الشواربي، عضو مجلس النواب 1882م ثم وكيله، والذي كان في مدارك العطاء يغرد، بقلب إسلامي إنساني مجرد…
خصص من أرضه جزءاً كبيراً، لبناء مستشفى قليوب، ومساجد، وخصص وقفاً ثابتاً للحرم النبوي، وللنجف النبوي، ورواتب دورية للفقراء والكادحين…
ومن بقايا أثره الناصع، عمارة الشواربي تقاطع رمسيس مع 26 يوليو… إحدى عجائب الفن المعماري في مصر، المعزوة تصميماً للمهندس حبيب عيروط…
ولم يُقتصر العطاء الشواربي عند الجنس الذكوري فحسب، فهذه زوجة عبدالحميد باشا الشواربي رئيس نادي الزمالك في مطلع الخمسينيات، تقوم بعمل بطولي على نحو استثنائي، لما كلفها جمال عبدالناصر بإيصال عشرات الآلاف من الجنيهات إلى كمال رفعت، المحاصر مع أبناء بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي على مصر….