يُدرك العالم بأسره أن مهنة التدريس من أشرف وأذكى المهن التي يعمل بها الإنسان على وجه البسيطة؛ ذلك لأنها تحمل رسالة سامية فحواها بناء إنسان يمتلك المقدرة على العطاء والبناء والعمل الجاد في مجالاته المختلفة؛ لديه بنية فكرية سليمة تقوم على معارف صحيحة، يستطيع من خلالها أن يكتسب مزيدًا من الخبرات المربية، ويتمكن بواسطتها لأن يوظف تفكيره وما يتمخض عنه من مهارات في تحقيق غايات شائكة، ومن ثم يشارك ويتعاون ويحدث أثرًا فاعلًا في محيطه كمؤشر للمواطنة الصالحة في صورتها المنشودة.
وفي هذا الإطار يتوجب أن يمتلك المعلمون صاحبو الرسالة السامية مهارات وكفايات مهنية وأكاديمية تمكنهم من الأداء التدريسي الفعال؛ فيستطيعوا توظيف استراتيجيات وطرائق التدريس وأساليبه المبتكرة لخلقوا مناخًا يتأتى من أدوار حقيقية للمتعلمين عبر مهام أنشطة تعليمية إجرائية يتحدد من خلالها أدوار قطبي العملية التعليمية ويقع على المتعلم مناط التنفيذ تحت متابعة وإشراف وتعزيز وتغذية راجعة من المعلم، حتى يستشعر أبناؤنا في مدارسنا أنهم محل اهتمام وتقدير يرونه فيما يتاح لهم من فرص واقعية تترجمها مهام الأنشطة التعليمية الابتكارية المشار إليها.
وعطفًا على ما سبق سيادة وزير التربية والتعليم نوجه رسالة مهمة تكمن في ضرورة صقل المهارات الوظيفية لدى صاحب الرسالة السامية والتي تتأتى في صورة مهارات التدريس الإبداعي ومهارات توظيف التقنية وفي القلب منها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومهارات التقويم المتعدد؛ فقد بات قياس الجانب التحصيلي دون التركيز على مهارات التفكير العليا لدى المتعلم أمرًا غير مقبول ليس لدينا فقط، بل في دول العالم التي تهتم ببناء إنسان تبحث عنه فرص العمل وليس العكس لما يتمتع به من مهارات متفردة وأداء فائق.
وفي رسالة أخرى نؤكد على تطوير التعليم أضحى يعتمد على ضرورة اكتساب مهارات استخدام وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تخصصاتنا التعليمية المختلفة؛ استجابة لأمور صارت مفروضة علينا، يأتي في مقدمتها طبيعة المتعلم الذي صار رقميًا؛ فلديه شغف واهتمام بالغ حيال التعامل مع التقنية الرقمية وتطبيقاتها اللامتناهية، ثم لا ينبغي أن نغفل التطور التقني متسارع الوتيرة والذي نستطيع أن نحقق من خلاله نتائج غير مسبوقة ترتبط بما نود إكسابه من خبرات للمتعلم ويعود علينا بتنمية مهنية مستدامة.
وهذا يستوجب أن نوفر متطلبات توظيف واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تساعد صاحب الرسالة السامية في تحقيق الأهداف الإجرائية للمحتوى التعليمي من خلال المزج بينها وبين استراتيجيات التدريس المناسبة لطبيعة المحتوى وخصائص المتعلمين لإكسابهم الخبرات التعليمية المتضمنة بمحتوى التعلم، وبالطبع يُسهم ذلك في إعانة وتمكين المعلم من تصميم مواقف تعليمية جديدة (مهام الأنشطة التعليمية)، تحقق المزج التام؛ فتصبح البيئة التعليمية ذكية صالحة لكل من التعلم الفردي والتشاركي، كما يبقى التعلم المتمركز حول المتعلم.
وثمة رسالة ترتبط بتطوير المحتوى التعليمي المتضمن بمناهجنا الدراسية بتنوع السلم التعليمي؛ فنضطلع إلى رؤية مستقبلية لهذا التطوير، والذي نأمل أن يهتم من خلال المتخصصين بالمهارات المتقدمة التي يتوجب أن يمارسها أبناؤنا المتعلمون؛ حيث تمكنهم من البحث والاستقصاء والاستنتاج وعمق قراءة وملاحظة التفاصيل وسبر للتفكير بما يؤدي لمزيد من الإنتاجية، يقابل ذلك معلم لديه آليات مبتكرة، يقدم من خلالها تغذية راجعة في وقتها المناسب، وتواصل يوصف بالبناء مع متعلمه، وطرائق وأساليب متنوعة تؤدي إلى إثارة التفكير واستدامة الدافعية وحب الاستطلاع؛ بما يساهم في خلق يومٍ دراسيٍ مليءٍ بالفعاليات التي تدحض الكلل، أو الممل، أو ضعف المقدرة على اكتساب خبرات تعليمية مستهدفة، وتصبح هناك حالة من الرضا متبادلة بين المعلم والمتعلم على السواء، ومن ثم تعمر مدارسنا ولا يخيم عليها هجران روادها من فلذات أكبادنا.
لقد سئمنا معالي الوزير فلسفة حقن الأذهان بمؤسساتنا التعليمية؛ فدعونا نميز بين حفظٍ يتلوه تطبيقٌ يسبقه فهمٌ واستيعابٌ، وبين حقنٍ للأذهان لا يفضي عن ثمرةٍ نترقبها؛ فعندما يحفظ المتعلم قانونًا ويطبقه على مسألةٍ تلو مسألةٍ وفق معطياتٍ متباينةٍ؛ فهذا ما نرجوه ونترجاه، يقابل ذلك حفظ المتعلم خطوات حل مسألةٍ بعينها دون فهمٍ أو فقهٍ لتطبيق القانون، ومن ثم يعجز عن حلها حينما تختلف المعطيات الخاصة بها؛ فلا مجال للتفكير الذي يعين الطالب على التطبيق بصورةٍ صحيحةٍ.
وفي رسالتي التالية أؤكد على أن النشاط التعليمي يشكل الممارسة الفعلية التي يؤديها المتعلم، وتترجم الأهداف الإجرائية التي تم صياغتها، ويرجى تحقيقها بواسطة المتعلم منفرداً أو بمشاركة زملائه، وتحت إشراف المتعلم، وفي ضوء طبيعتها تحدد مداخل، أو طرائق، أو أساليب، أو استراتيجيات التدريس، وأساليب التقويم، وآلية تنفيذ المهمة (فردية _ جماعية)، والتغذية المرتدة، ونمط التعزيز، ونؤكد بأن التدريس لا يعني شرح المعلم بالفصل فقط؛ فهذا جزء من كل، ولا مناص من أن يؤدي المتعلم دوره غير منقوص في البيئة التعليمية النظامية.
إن الرسائل عديدة بشأن تطوير المؤسسات التعليمية المصرية بالمراحل قبل الجامعية؛ لكن مسك الختام برسالة تحمل مطلبًا شعبيًا ملحًا تتمثل في تعضيد النسق القيمي والارتقاء بالأخلاق الحميدة، ومن نعمل بكل جهد على إنارة عقول المتعلمين، بالفكر المعتدل ونشكل بنى معرفية صحيحة، ونحرص على أن نعدل من سلوكياتهم في ضوء ضوابط ومعايير محددة تقبلها ثقافة الأسرة والمجتمع، ونهذب طباعهم، ونوضح لهم الغامض والخفي، ونربط لهم بين الماضي والحاضر؛ لنخلق في نفوسهم الأمل واليقين، ونؤهلهم لبناء المجتمع الناجح القائم على فهم الحياة ومتطلباتها، ونوفر لهم المساحة التي يمتلكون من خلالها مهارات القرن الحادي والعشرين؛ حيث الابتكار والتجديد في بيان وكيان مجتمعاتهم؛ نتمنى لكم معالي الوزير دوام التوفيق والسداد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر