من المفارقات العجيبة أن تعلو نبوءات وتحذيرات بقرب زوال إسرائيل من جانب سياسيين ومفكرين ومؤرخين وكتاب، يهود وغير يهود، انتابتهم الهواجس بأن معركة طوفان الأقصى ستكون بداية النهاية لدولة إسرائيل، التى ستتفكك حتما وتزول قبل أن تبلغ الثمانين من عمرها، مثلما تفككت المملكتان اليهوديتان السابقتان ( مملكة داوود، ومملكة الحشمونائيم)على أعتاب العقد الثامن من عمرهما، وهو ما يعرف في التاريخ اليهودي بـ (لعنة العقد الثامن).
والغريب أن تتردد هذه الهواجس بينما تعيش دولة إسرائيل نشوة الغرور بما حققت من قدرات عسكرية هائلة، وما أنجزت من تقدم علمي وتقني، وما حصلت عليه من دعم الدول الكبرى، مما أتاح لها أن تشن حرب إبادة جماعية حقيقية ضد غزة وأهلها، فتدمرها تدميرا ساحقا، وتستخدم القنابل المحرمة في قتل المدنيين العزل، وتخريب الأرض الزراعية حتى لا تعود صالحة للحياة.
ورغم هذا لم يخطر ببال أحد أن غزة ستزول، وإنما تدور النبوءات عن زوال إسرائيل مع الأنباء الأولى لزلزال الأقصى في 7 أكتوبر 2023، حينما اندفع آلاف الإسرائيليين إلى المطارات للسفر إلى أوروبا وأمريكا فرارا من الحرب، ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن بعضهم أنهم يفضلون العودة إلى بيوتهم هناك، بعد أن صارت إسرائيل البلد الأكثر خطورة على حياة اليهود.
ومع تزايد أعداد الهجرة العكسية من إسرائيل لم تتورع الصحف الإسرائيلية عن نشر تلك النبوءات، حتى وصل الأمر بصحيفة (هاآرتس) إلى أن تكتب في افتتاحيتها يوم السابع من يونيو الماضي أن العد التنازلي لزوال إسرائيل قد بدأ، وأن انهيارها مسألة وقت، واستدعت الصحيفة نبوءة الفيلسوف الإسرائيلي (يشعياهو ليبوفيتش) التي قال فيها إن “الفخر الوطني والنشوة التي أعقبت حرب الأيام الستة (حرب يونيو 1967) مؤقتة، وستقودنا من القومية الفخورة الصاعدة إلى القومية المتطرفة، ثم ستكون المرحلة الثالثة هي الوحشية، وتكون المرحلة الأخيرة نهاية الصهيونية”.
وفي 19 يونيو الماضي أيضا نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية مقالا لكاتبها اليهودي الأمريكي توماس فريدمان، المشهور بعلاقاته الوثيقة مع البيت الأبيض وإسرائيل بعنوان “إسرائيل التي عرفناها قد ولت”، أكد فيه أن إسرائيل في خطر وجودى حقيقي بسبب مواقف حكومتها المتطرفة، ووجه انتقادات حادة إلى بنيامين نتنياهو الذي “يعمل من أجل البقاء في السلطة لتجنب إرساله إلى السجن بتهم الفساد”، وفي لقاء مع قناة (الجزيرة) كرر فريدمان أن “إسرائيل تواجه خطرا وجوديا، قد يؤدي إلى زوالها ويعيد الصراع إلى ما كان عليه عام 1947، أي إلى ما قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948”.
وفي يناير 2024 طرح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في ندوة عامة عدة مؤشرات تؤكد بداية النهاية للمشروع الصهيوني وتفكك دولة إسرائيل، ودعا منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاستعداد لملء الفراغ بعد انهيار هذا المشروع، حتى لا تسود فترة طويلة من الفوضى كما حدث في سوريا ودول أخرى في العالم العربي.
وفي انتفاضة الجامعات الأمريكية ضد إبادة غزة سمعنا أصواتا غربية تعترف بأن إسرائيل انحرفت عن مسار القيم الإنسانية، وصارت تشبه ألمانيا النازية، وبالتالي فقدت الحق في الوجود، ولا يمكن السماح لها بالاستمرار على هذا الوضع.
والحقيقة أن فكرة زوال دولة إسرائيل حاضرة في العقل الإسرائيلي منذ نشأتها، لكنها تعلو عندما تدخل إسرائيل في حرب أو تواجه أزمة، وأشهر من تحدثوا عن ذلك المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، الذي حذر في مقابلة مع صحيفة (ها آرتس) في 11 يناير 2019 من أن شمس إسرائيل ستغرب، وسينتصر العرب والمسلمون خلال سنوات، وسيكون اليهود أقلية في هذه الأرض، إما مطاردين أو مقتولين، وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا.
وكتب إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مقالا بصحيفة (يديعوت أحرونوت) في مايو 2022 بمناسبة الاحتفال بالذكرى 74 لإعلان قيام إسرائيل استحضر فيه زوال مملكتي إسرائيل اللتين لم تصمد أي منهما لأكثر من 80 عاما، متخوفا من أن يحيق المصير نفسه بدولة إسرائيل التي “أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي”.
وصدم يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز الأمن العام (الشاباك) الإسرائيليين حين صارحهم عام 2021 بأن دولتهم لن تبقى إلى الجيل القادم، مبررا ذلك بـ “الاتجاهات الديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تغير بالفعل جوهر إسرائيل، وتعرض وجودها للخطر، إذ يزداد الانقسام الداخلي عمقا، حتى أصبح أكثر من الخلاف بين اليهود والعرب، كما أن انعدام الثقة بأنظمة الحكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر في الحكومة، والتضامن الاجتماعي ضعيف”.
وإلى جانب ذلك هناك نبوءات عربية شهيرة بزوال إسرائيل، أبرزها نبوءة الدكتور عبدالوهاب المسيري والشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس.
ولو دققنا في النبوءات الإسرائيلية عن (زوال إسرائيل) فسوف نرى أن بعضها يأتي من سياسيين ومفكرين ومؤرخين مقتنعين بأن دولتهم دخلت في حرب وجودية مع المقاومة، التي تمتلك إرادة صلبة تجعلها قادرة على هزيمة إسرائيل المتفوقة في القدرات العسكرية والمادية، لكنها لاتستطيع الصمود في حرب استنزافية، ومن اليسير أن تنهار عند أول هزيمة حقيقية، وبعضها الآخر يأتي من متطرفين متعصبين، يلوحون بزوال إسرائيل عند كل أزمة لتبرير الجرائم التي ترتكبها دولتهم، وهؤلاء مقتنعون بأن إسرائيل دولة هشة مصطنعة، لديها قابلية طبيعية للتفكيك، ومن ثم يحرضون على المزيد من البطش بالشعب الفلسطيني وتهجيره، على اعتبار أن هذا هو الضمان لاستمرار إسرائيل، وتجنب زوالها.