ندرك أن هناك أزمة عالمية في الطاقة على وجه الخصوص نتيجة للحروب المشتعلة والتي ساهمت في القفز بأسعار المنتجات البترولية بصورة فاقت التوقعات، بل لم نتخيل يومًا ما أن أسعار الطاقة والغاز الطبيعي ارتفعت عالميًا بصورة توصف بالجنونية، ناهيك عن حالة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وأماكن أخرى في العالم؛ تسببت في صعوبة تدفق المحروقات من مقر سلاسل الإمدادات العالمية بسبب زيادة الطلب مقابل الكميات المعروضة، ومن ثم أضحت الأزمة قائمة والأسعار في تزايد مضطرد.
ونوقن بأن ما لدينا من منتج محلي غير كافي لتلبية احتياجاتنا من المحروقات بتنوعاتها المختلفة؛ لذا تلجأ الدولة إلى الاستيراد من الخارج بغية الوصول لحد الكفاية وتحقيق المطلوب من المواد البترولية، كما أن صعود أسعار النفط الخام وارتفاعه من فترة أخرى أحدث خللًا في ميزانيات الدول وأربك حسابات ميزانيتها، وتسبب في العديد من الضغوط؛ حيث العمل على توفير النقد الأجنبي بغرض الاستيراد لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية.
ورغم دعم الدولة المصرية للمحروقات بما يقدر بــ 155 مليار جنيه في موازنة العالم المالي (2024/2025)، وهذا معلن على المواقع الرسمية وصرح به دولة الرئيس؛ إلا أن هناك مستجدات أدت إلى أن هذا الدعم لا يكفي؛ فحاجة البلاد لمزيد من النقد الأجنبي في تزايد لاستيراد ما يكفي من المشتقات البترولية من الخارج، كما أن استهلاك محطات الكهرباء هذا العالم لم يكن في حدوده الطبيعية؛ حيث المناخ المتقلب وموجات الحر التي بدأت قبل موسم الصيف بفترة كبيرة؛ نتيجة للتغيرات المناخية وآثارها التي خيمت سلبًا على العالم بأسره.
وحرص الدولة على تجنب انتهاج سياسة رفع أسعار المحروقات مرة واحدة وتجزيلها على فترات، يقوم على فلسفة الاهتمام بتحقيق نظرية العدالة الاجتماعية في إدارة اقتصادياتها بمختلف تنوعاتها؛ حيث إعطاء كل فردٍ ما يستحق، وتوزيع الموارد المادية في ضوء معاييرٍ محددةٍ، وتوفير الاحتياجات الأساسية من رعايةٍ صحيةٍ وتعليميةٍ واجتماعيةٍ وغيرها من أنماط الرعاية بصورةٍ متساويةٍ؛ بالإضافة للمساواة في إتاحة الفرص التي تسمح للفرد بأن يصل وفق جهوده إلى ما يستهدفه من غاياتٍ مشروعةٍ على المستويين العام والخاص.
ولنوكد على ماهية الحمايةٍ الاجتماعيةٍ بمعناه العميق؛ حيث لا يعني فقط خروج بعض فئات المجتمع من حالة العوز؛ لكن هناك أهدافًا استراتيجيةً بعيدة المدى تكمن في تأهيل فئات المجتمع للعمل على زيادة الإنتاجية في منابر الاقتصاد المختلفة بكافة قطاعات الدولة؛ لتنمو مهارات العمل التنافسية، وتتأصل لدى الفرد القيم الاقتصادية المحمودة، كما تقوى شبكات التضامن الاجتماعي بين أطياف الشعب ومؤسسات الدولة؛ لتتعاظم قيم الولاء والانتماء بصورةٍ تؤكد عليها ماهية المواطنة الصالحة.
وبصراحة يعلم الجميع أن سياسة المكاشفة التي تتبناها الحكومة المصرية تعد منهجية رائدة ومتميزة ومتفردة لأسباب كثيرة منها أن المعرفة تزيل جهالة التصرف، وترسل طمأنة نحو صحة المسار، وأن الاحتياجات وتلبيتها يقابلها تكلفة لا محالة، وأن سياسة الترشيد ينبغي أن تتبع وتعضد بممارسات وسلوكيات نحافظ بها على ما لدينا من موارد ونقدر الجهود التي تبذل من قبل الحكومة والقيادة السياسية المعطاءة.
إن نجاح تحقيق غايات برنامج الإصلاح الاقتصادي يؤسس على فلسفة واضحة تمثل حصريًا في نهوض الدولة المصرية في ملفها الاقتصادي والمرهونٌ بوعي مجتمعي لمشروع الدولة القومي والاستراتيجي؛ فالمسئولية والقواسم مشتركة، والانخراط فيه والمشاركة تتوقف على استعداد يتأتى من قاعدة الاستقرار؛ لذا حرصت الدولة أن تنتهج مسار البرنامج الاقتصادي الإصلاحي لتقلل الفجوة بين فئات الشعب، وتمكن الجميع بمقوماتٍ رئيسةٍ تساعد على الإنتاجية، وتقى من حالة العوز، وتُسهم في تحقيق الاتاحة بمفهومها الشامل؛ لتسمح بالانخراط الكلي للمجتمع دون استثناءٍ أو إقصاءٍ لأحدٍ.
ولنعي أننا نسابق الزمن في اتجاه النهضة المرتقبة التي باتت ملامحها جلية في نشاهده ونرصده، وفي المقابل هناك أزمات وتحديات لن تتوقف لأسباب ومسببات نعلمها وأخرى نستخلصها، وما يريح الضمائر أن الفلسفة القديمة في إدارة شئون الدول تغيرت بالكلية؛ فصارت الشراكة بين الحكومة والشعب في إطارها الصحيح؛ حيث تحمل المسئولية بشكل جماعي تجاه تحقيق غايات الدولة الكبرى؛ فصار المبدأ الرئيس قائمًا على الشفافية؛ فلا غرف مغلقة، ولا قرارات تؤخذ بليل؛ فالحوار الوطني شعار المرحلة، وما يرتئيه العقل الجمعي قابلًا للتنفيذ محل احترام واهتمام ومتابعة، ومن ثم يصنع ويتخذ القرار بعد دراسة تشاركية تلبي الاحتياجات وتراعي الصالح العام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر