اعتاد البشر على مر الأزمان على القناعة التامة والإيمان الراسخ بكل ما يرد ﺫكره في الكتب المقدسة، التي تعبر عن الدين الذي يؤمن به سواء كانت مرسلة من السماء وحيا إلى نبي من الأنبياء أو الرسل، أو أعيد كتاباتها على يد أنبياء، أو أصحاب الديانات الدنيوية الأخرى، وتصل في أغلب الأحوال إلى درجة العقيدة الراسخة والقوية والتي يفني فيها المؤمن بها والمعتقد فيها حياته دفاعا عنها وفى سبيلها.
و لذا عمد رجال الدين اليهودي على اختلاف توجهاتهم عند إعادة كتابة أسفار العهد القديم أو تأليف وإصدار كتاب التلمود وغيره من كتبهم المقدسة إلى تدوين كل ما يشير إلى أهدافهم المحددة والرئيسة، وهى الوعد الإلهي من يهوه ربهم بالأرض المقدسة،
وهى أرض إسرائيل، أرض كنعان وتكرار ﺫلك بدون ملل حتى تصبح قيدا على كل مؤمن ومعتنق للدين اليهودي. فنجد أن كلمة صهيون التي هي محور الفكر الصهيوني القديم والحديث جاء ﺫكرها في أسفار العهد القديم على لسان أكثر من نبي لهم، و كذا توجيه الاهتمام إليها، وتنفيذ كثير من الأعمال والأفعال والتوجيهات والأوامر التي تشير إلى أهميتها وقدسيتها أيضاً، لذلك سنعرض لتلك الأسفار والتي جاء ﺬكر صهيون فيها والأحداث المتصلة بها.
قامت الحركة الصهيونية على فكرة أن شتات اليهود عبر العالم نزع عنهم صفة الأمة وحرمهم من إقامة كيان أو كيانات سياسية تضمن لهم التميز من الناحية الاجتماعية وتبعد عنهم خطر الذوبان داخل المجتمعات الأوروبية التي كانوا يعيشون داخلها أقليات تعاني التهميش والاحتقار وتبقى على هامش الحياة السياسية والاقتصادية.
وترى الصهيونية أن العودة الموعودة لن تتم إلا بجهد يهودي صرف ليس له من ظهير إلا الدعم الإلهي، الذي لم تنكره الصهيونية في بداياتها رغم أنها ستنزع منزعا علمانيا في العقود اللاحقة خاصة بعد قيام إسرائيل.
وظهرت الصهيونية في سياق أوروبي تميز بنزعة قومية متعاظمة سادت أوروبا في القرن التاسع عشر نتيجة لقيام الدول الوطنية في القرنين السابع عشر والثامن عشر وما رافقها من حروب دموية كان الانتماء القومي الركن الركين للتعبئة من أجلها وقيام كيانات وطنية قومية الهدف السياسي الأساسي لها.
تاريخ الصهيونية جزء من تاريخ اليهود، والصهيونية هي امتداد لما يقوم به اليهود منذ القدم، وللصهيونية جذور تاريخية وسياسية منذ قيام حركة المكابين التي أعقبت السبي البابلي.
ومرت بعد ذلك بمراحل كثيرة منذ تلك القرون، وذلك قبل ظهور المسيحية، وقبل ظهور الإسلام وبعده.
وكانت مهمتها في مراحلها الأولى تحريض اليهود على العودة إلى أرض فلسطين، وبناء هيكل سليمان، وتأسيس دولة إسرائيل الكبرى. أما في العصر الحديث فقد بدأت نواتها الأولى عام (1806) م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من نابليون لاستغلال أطماع اليهود، وتحريضهم على مساعدته.
والصهيونية الحديثة هي المنسوبة لـ (تيودور هرتزل) الصحفي اليهودي النمساوي (1860- 1904) م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم.
وقد بدأ اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وفي محاولتين لكنهم أخفقوا.
وبعد ذلك أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي في بال بسويسرا عام (1897) م، ونجح في تجميع يهود العالم حوله، كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ اليهود، وهي (بروتوكولات حكماء صهيون) المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها.
ومن ذلك الوقت بدأ حكماء اليهود يتحركون بدقة، ودهاء، وخفاء؛ لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها اليوم واضحة للعيان.
ومما هو معروف أنه بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في – بال- بدأ هرتزل جولته في العمل؛ لاحتواء السلطان عبد الحميد عن طريق الترغيب ثم الترهيب.
وقد كان موقف السلطان عبد الحميد واضحاً صريحاً حيث قال: بلِّغوا الدكتور هرتزل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر- التوطن بفلسطين- فإني لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد في هذه البلاد ليذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعب روَّى ترابها بدمائهم؛ فلتحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب.
ثم بدأ الصهاينة من ذلك اليوم بمحاولة الإطاحة بعبد الحميد، وإزالة الخلافة الإسلامية، ثم تحقَّق لهم ما يريدون، وكان إسقاط عبد الحميد (1909) م، والتمهيد لإلغاء الخلافة عام (1924) م، وكان الذي بلغ السلطان قرار الخلع قُرَّه صُو عضو حزب الاتحاد والترقي اليهودي الأصلي.
وقبل ذلك تمكَّن اليهود من تأليب الدول الاستعمارية على الدولة العثمانية، وإثارة السموم، والدسائس حول السلطان، ورميه بمختلف الاتهامات.
ولم تكن الخلافة لتسقط لولا أن البدع قد انتشرت، وبدأت تدب في جسم الخلافة وتنخر فيه.
وبالرغم من ذلك كله فإن الخلافة كانت ترهب أعداء الله، وتضع هيبة ومنعة للمسلمين.
وكما نجح اليهود في بث الدعايات والأكاذيب على السلطان عبد الحميد، ووصفه بأنه سكير فاسق ظالم متوحش، فإنها أيضاً نجحت في إضفاء جميع صور البطولة على اليهودي مصطفى كمال الذي مثَّل رأس الأفعى اليهودية، ونفَّذ لدغتها القاتلة التي أدت إلى هدم الخلافة الإسلامية، وتمزيق الوجود السياسي للمسلمين.
وقد كان هذا الخبيث يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملق العلماء، وعموم المسلمين، وعندما تمكَّن نفَّذ خطته اللئيمة على النحو التالي:
1- إلغاء الخلافة الإسلامية.
2- فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية؛ فحطم الدولة الإسلامية العظيمة.
3- أعلن العلمانية الإلحادية.
4- اضطهد العلماء أبشع اضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر.
5- أغلق كثيراً من المساجد، وحرَّم الأذان، والصلاة باللغة العربية.
6- أجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي، ولبس الزي الأوروبي.
7- ألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع (أيا صوفيا)، وحوَّله إلى متحف.
8- ألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية.
9- فرض العطلة الأسبوعية يوم الأحد، بدلاً من يوم الجمعة.
10- ألغى استعمال التقويم الهجري، ووضع مكانه التاريخ الميلادي.
11- حرَّم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث.
12- شجع الشباب والفتيات على الدعارة، والفجور، وأباح المنكرات، بل كان قدوة في انحطاط الخلق، والفساد، وإدمان الخمر.
13- قضى على التعليم الإسلامي، ومنع مدارس القرآن الكريم، واستبدل اللاتينية بالعربية.
14- فتح باب تركيا لعلماء اليهود.
شكلت حرب عام 1973 صدمة بخصوص مستقبل إسرائيل، وقوضت الثقة بالحكومة التي يسيطر عليها اليسار، مما دفع قادة الصهيونية الدينية إلى تأسيس جماعة غوش أمونيم التي سعت للحفاظ على مكاسب حرب 1967 عبر تعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية.
وأسهم ذلك في ارتفاع عدد المستوطنين بالضفة من 2800 مستوطن في عام 1977 إلى نصف مليون مستوطن حاليا بحسب حسن البراري في كتابه المترجم إلى اللغة العربية بعنوان “الصهيونية وإسرائيل والعرب: مئة عام من الصراع”. وتزامنت تلك التطورات مع فوز اليمين الصهيوني بانتخابات الكنيست في عام 1977 للمرة الأولى.
لاحقا عارضت الصهيونية الدينية بتشكيلاتها المتنوعة اتفاق أوسلو، ونظمت احتجاجات واسعة رفضا للتنازل عن أراضي من الضفة الغربية وغزة تحت شعار “هذه أرضنا”.
وأقدم إيغال عمير أحد الطلاب الصهاينة المتدينين بجامعة بار إيلان على قتل رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995 بحجة تفريطه في أرض إسرائيل. وذلك بعد أن نفذ المتطرف باروخ غولدشتاين مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا