واحد من المشاهد الموحية عميقة الدلالة كثيفة الظلال..ما حدث في عزاء الدكتور محمد علي محجوب وزير الأوقاف الأسبق رحمه الله.تخيل معي المشهد د.أسامة الازهري وزير الأوقاف الجديد يتلقى العزاء .د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف السابق في الصفوف يقدم واجب العزاء..
د.الأزهري لم يكد يستقر على كرسيه ..د.مختار جمعة غادر المنصب منذ ايام بعد نحو عقد من الزمان.. د.محجوب رحل عن دنيانا الفانية بعد عمر حافل قضى ما يقرب من العشر سنوات وزيرا للأوقاف..خلفه عالم جليل هو الدكتور محمود حمدي زقزوق رحمه الله الذي استمر في منصبه مايقرب من ١٥ عاما (عقد ونصف).
وبرر البعض اختياره آنئذ بأنه رغبة في التهدئة وتبريد الساحة من صخب المواجهات والنقاشات الحادة حول كثير من الأمور الدعوية وما يصاحبها من قضايا مثارة اجتماعيا وسياسيا..
المشهد الوزاري الثلاثي مثير للغاية ويستدعي للأذهان الكثير من المواقف وربما يطرح المزيد من التساؤلات حول ما هو قادم وما هو مشابه أو متشابه من حوادث وأحاديث ومعارك شارك فيها الكبار بفاعلية وبحكمة شديدة من أمثال فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر وإمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي والقطب الكبير الشيخ محمد الغزالي وغيرهم ..
والحقيقة أن حقبة د. محجوب التى قاربت العقد من الزمان كانت سنواتها صاخبة مليئة بالمواجهات الصعبة خاصة مع الجماعات المتطرفة وتوابع ما حدث على الساحة تضافرت فيها كل الجهود السياسية والأمنية والفكرية والدينية وغيرها
نجحت حينا واخفقت احيانا حتى وصلت إلى مرحلة وفكر المراجعات الفكرية والفقهية لجماعات الإرهاب والعنف والتطرف..
وهي فترة مهمة للغاية وتحتاج دراسات متعمقة وتحليلات علمية وقراءة محايدة لحقيقة ماجرى لاستخلاص الدروس والعبر ووضع منهج علمي جاد يكون مرشدا وهاديا في المواجهات الفكرية المتصاعدة يوما بعد يوم مع أصحاب الفكر الضال والمنحرف وباساليب ومراوغات أشد مكرا..
لعل من أهم ما تطرحه مرحلة د.محجوب فكرة الوزير السياسي فقد كان إلى جانب كونه أستاذا في علوم الشريعة نائبا برلمانيا في دائرة حلوان وله شعبية وجماهيرية وكان عضوا في اللجنة الدينية للحزب الوطني المنحل وهي لجنة كان لها دورها ونشاطها في مناقشة القضايا الدينية والتشريعات ذات الصلة..
أعتقد أن الساحة تفتقد ذلك بشدة فكثير من الأمور تحتاج إلى حنكة السياسي وعلم العالم الورع التقي النقي ووعي الإداري ودربة السير على الأشواك ومواجهة العواصف والانواء وتحتاج احيانا إلى أساليب الاستمالة والمناورة واحيانا العصا الغليظة وربما ذهب المعز وسيفه..
لن أتحدث عن القفزات والمميزات الإدارية والمكاسب للعاملين بالأوقاف دعاة وغيرهم على مدى سنوات المحجوب والتى جعلت له شعبية كبيرة لايزال الاوقافيون يذكرونها بكل خير..وكذلك ماحدث لأموال الأوقاف إن خيرا أو شرا. ساركز على منهج وطريقة المواجهة الفكرية وكانت متواكبة مع مواجهة أمنية شديدة الضراوة في تلك الفترة وكانت مواجهات دامية احيانا دفع المجتمع فيها ثمنا غاليا..
كنت اتابع بدقة التفاصيل باعتباري محرر الشئون الدينية ومندوب الجمهورية في الأوقاف حينئذ. ويمكن تمييز محورين اساسين في مواجهة المتطرفين وكلاهما لا يقل أهمية عن الآخر. الأول:عقد لقاءات مباشرة مع شباب الجماعات إياها سواء في السجون وأماكن احتجازهم أو خارجها كما حدث في لقاءات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشهيرة والحوارات الصاخبة والمثيرة مع الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي والشيخ عطية صفر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر والشيخ اسماعيل صادق العدوي الداعية الأشهر وخطيب الجامع الأزهر عليهم جميعا رحمات الله ورضوانه.. ومعظم اللقاءات كانت تتم برعاية ومشاركة الوزير د.محجوب.. وبمباركة ايضا من الأزهر ووزارة الداخلية.
المحور الثاني وهو التأمين والتحصين الفكري للشباب من الأفكار الهدامة والمغلوطة التي كان يتم الترويج لها بشتى الطرق من قوى دولية ومحلية لإثارة الفتن والبلبلة في صفوف الشباب..والترجمة العملية لهذا التوجه تمثلت في قوافل العلماء الثقات في كل المحافظات بلا استثناء وفي الجامعات وحتى اماكن تجمعات الشباب في المراكز والمعسكرات والمصايف وفي الشركات الكبرى وغيرها
الملحوظة الجديرة بالتسجيل والاعتبار هي اختيار عدد كبير من العلماء الثقات لمخاطبة الشباب وإجراء حوارات مفتوحة معهم خاصة في الجامعات التى كانت معقلا للجماعات إياها وهذهة مهمة عظيمة وما أحوجنا إلى السير على الدرب والاهتمام بمن يخاطب الشباب ويحاورهم في كل المواقع وبلغة العصر حتى لا يقعوا فريسة المتربصين بالدين والوطن في الداخل والخارج..
وقد سافرت مع جولات كبار العلماء في تلك القوافل وكان ينضم إليها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة المفتي والشخ عطية صقر والشيخ اسماعيل صادق العدوي
ود.اسماعيل الدفتار وغيرهم وكانت الجولة تبدأ من اسوان جنوبا وكل يوم في محافظة حتى نعود إلى القاهرة ثم الجولة إلى محافظات الدلتا..
ورغم أهمية القوافل ودورها الا أنني شخصيا ابديت للدكتور محجوب اعتراضي خلال المناقشات الخاصة بالاعداد للقاءات والحوار مع الشباب من خطر التركيز على فكر الجماعات لانه يبدو كما لو أننا نشيعه من حيث لا نقصد وطلبت أن يكون ذلك محورا من بين محاور عدة مهمة في اللقاءات..
رحم الله الدكتور محجوب رحمة واسعة وأجزل له العطاء..
والله المستعان..