أضحى الاهتمام بجميع فئات أصحاب الهمم، الشاملين لذوي الإعاقة البصرية، والسمعية، والعقلية، والجسدية، والسلوكية، وصعوبات التعلم، ومتعددي الإعاقة، فرض عينٍ، ونسقنا القيمي يولي ويؤكد على رعايتهم دون استثناءٍ؛ لأن ذا الهمة فردٌ ينحرف في قدرةٍ من قدراته عن المستوى العادي؛ بما يجعله في احتياجٍ إلى رعايةٍ خاصةٍ؛ ليُحقق أكبر إفادةٍ ممكنة من قدراته، وقد ترتبط القدرة المنقوصة لديه بالجانب التعليمي، أو الجسمي، أو الاجتماعي، أو العقلي، أو الانفعالي، أو أكثر من جانب؛ نتيجةً لعواملٍ وراثية أو بيئية.
هذا وقد ترجمت القيادة السياسية أخلاقيات التعامل المرتبطة برعاية قادرون باختلاف؛ بتقديم صورٍ من الدعم المتواصل لهذه الفئة لتصبح قادرةً على الإنتاج والعطاء والتحدي تستمد طاقتها من رغباها في الحياة المفعمة بالحيوية عبر أنشطةٍ وممارساتٍ تسمح لهم باستثمار ما لديهم من طاقات تبعث الأمل في وجدانياتهم النقية، وبما يؤكد أن الدولة المصرية تعتنق ثقافة التحضر التي بواسطتها يتم بناء الإنسان وفق ما يمتلك من قدراتٍ وما يحتاج إليه من مقوماتٍ تعليميةٍ أو متطلباتٍ تخص الجانب البدني أو تحقق الاندماج الكلي بين فئات المجتمع النبيل.
إن الأخلاق في جملتها تحض الجميع أن يعامل ويتعامل مع ذوي الهمم بحنو ومحبة ويقدم له جميع أوجه المساعدة والرعايا لتنتقل تلكما المحبة بمعناها العميق في أفئدة القادرون باختلاف؛ فنرى منهم شعورًا فياضًا يؤكد في بيانه وتعبيره ومشهده عن محبةٍ عميقةٍ للوطن الذي يحتضنهم، وللمجتمع الذي يمنحهم الأمان والدفء، وللقيادة السياسية التي قدمت وما زالت تقدم الدعم المستمر لهذه الفئة المستحقة لسبل الرعاية والاهتمام بصورةٍ مستدامةٍ.
وبناءً على ماهية الأخلاق نستطيع أن نترجم بوضوح دلالات الرعاية والمحبة التي يوليها الرئيس لقادرين باختلاف؛ إذ تؤكد على فلسفة الاحتواء لمكونات هذا المجتمع الذي يتحلى بالرحمة، والتواد، والعاطفة الجياشة، وهذا الطابع الخاص لشعبنا العظيم يؤكد على قوة الرابطة بين نسيجه، ويبرهن على أن اكتمال السعادة بالشمول.
إن المسئولية اقتضت من رئيس الجمهورية أن أصدر قرارًا جمهوريًا رقم (11) لسنة 2019م لإنشاء المجلس القومي لذوي الهمم، حرصًا من سيادته على تعزيز وتنمية وحماية ذوي الهمم؛ ولضمان فعاليته ألزم القانون المجلس بتقديم تقرير سنوي- إلى كل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء- يضمنه حالة حقوق ذوي الهمم، وكُلف المجلس بوضع استراتيجيةٍ قوميةٍ تنهض بقدرات ذوي الهمم في المجالات المختلفة.
كما استدعت المسئولية أن ألزم نص القانون بشكلٍ صريحٍ لا مراء فيه جميع وزارات وهيئات الدولة بتنفيذ اتفاقيات وخطط وبرامج ومشروعات المجلس القومي لذوي الهمم؛ بالإضافة إلى تمثيل ذوي الهمم في عضوية المحافل، والمؤتمرات، والمنظمات الدولية المعنية بقضاياهم، وكذلك توثيق المعلومات والبيانات والإحصاءات والدراسات والبحوث المتعلقة بشئونهم، وزيادة في حمايتهم يتلقى المجلس الشكاوى والمقترحات الخاصة بهم والعمل الفوري على حلها، ومن ثم تطبيق القانون بحزمٍ على من يعتدي عليهم بالقول أو بالإيحاء أو بالفعل.
وتشير المساءلة إلى أن الرعاية المتكاملة لقادرون باختلاف معني بها الجميع دون استثناءٍ؛ فقد أضحى تلبية احتياجاتهم الآنية والمستقبلية منها أمرًا غير قابلٍ للنقاش أو التأجيل، وفي هذا الخضم تم التأكيد على منحهم الفرص المتكررة والمتوالية والتي يحققون من خلالها ما يطمحون ويحلمون به، والعمل على توفير المناخ الداعم الذي تنطلق عبره المواهب وتتفجر الطاقات الابتكارية في مجالاتها النوعية المختلفة؛ لنعكس ذلك على حياتهم بأوجهها المختلفة.
وتقتضي المساءلة أن تنتهج الدولة المصرية الإجراءات التي تحمي ذوي الهمم؛ فتقديم الدعم لهم لا يعني بحالٍ أن يستغل بصورةٍ غير أخلاقيةٍ أو غير صحيحةٍ أو غير قانونية؛ فهناك السيارات التي يتم استيرادها بغرض خدمتهم؛ لكن غياب الضمير عند القلة أعطت إنذارًا لأن تتخذ الحكومة الإجراءات المشددة لتضمن بها وصول هذا الدعم لمستحقه دون غيره، ممن يتاجرون أو يتربحون أو يستفيدون بغير وجه حقٍ.
ورغم إجراءات الحوكمة التي تتخذ حيال ضبط هذا المنزلق وما به من انحرافاتٍ تم رصدها؛ إلا أننا في حاجةٍ إلى مراجعة وتنمية للوعي تجاه العديد من القضايا المجتمعية؛ فهناك من يمارس الاحتكار وصوره من قبيل ادعاء الذكاء أو ما يسمى بالفهلوة، وهناك من يستغل ويغش دون أدنى وازعٍ أو ضميرٍ يوقفه عن ممارساته غير السوية، وهناك من يدعى الاحتياج وليس لديه العوز أو الفاقة إنما من قبيل التربح والتكسب غير المشروع، وهناك من يتبع سبل الفساد والإفساد لجني أرباح ومكتسبات مادية محرمة، وغير ذلك من الممارسات والسلوكيات التي يصعب ذكرها، ومن ثم استدعى الأمر أن تمارس الجهات المعنية دورها بكل قوة وحزم ليرتدع ويرتد كل مخالفٍ مغرضٍ يستهدف تقديم المصلحة الخاصة على العامة، بل ويستهدف الاستحواذ على حقوق الآخرين دون وجه حق.
ونوقن بأن الأخلاق والمسئولية والمساءلة تعد مقومات الضبط المجتمعي التي تضمن استقراره واستمرارية عطاؤه وفرض العدالة والمساواة بين أفراده، ناهيك عن أن هذا يتعلق بقادرين باختلاف.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر