كنت أظن، وبعض الظن إثم، أننا قد تجاوزنا منذ سنوات طويلة قضية أن يكون انتماء الجماهير لمنتخب بلادها أهم عندها وأكبر من انتمائها لنادٍ معين.. لكن ما حدث ويحدث على الساحة الرياضية، يؤكد أنه لا يزال الطريق أمامنا طويلاً لنصل إلى هذه الغاية، وأن ليس فقط البعثة التى مثلت مصر فى أولمبياد باريس هى التى فشلت ولم تحقق ما كان مطلوباً منها، ولكننا كجماهير أيضاً فشلنا فى الاختبار، وظهر جلياً أننا لا زلنا نهتم بالنادى على حساب المنتخب، وأن الأهم عندنا أن يفوز النادى فى أى مواجهة له حتى لو كانت فى مسابقة محلية ضعيفة شبة محسومة له من أول ماتشين تلاتة.. الخطير أن مثل هذا الشعور لا يسود فقط عند جماهير التالتة شمال باعتبارهم ملح كرة القدم وسوادها الأعظم، بل حتى عند النخبة من مفكرين وكتاب وصحفيين ونجوم المجتمع.. سمعت أكثر من واحد منهم يقول إن فريقه أهم من المنتخب، بل قال لى أحدهم مرة، ولم يكن مازحاً، أن فوز ناديه فى مباراة محلية أهم عنده حتى من فوز منتخب بلاده بكأس العالم!! وعندما قلت له أنه بالتأكيد يبالغ، عاد وأكد لى أنه يعى ما يقول، وأنه ليس فيها أية مبالغة.. تصوروا؟!.
هذا ما فعلته بنا الأندية وإعلامها المتعصب وبرامجها الموجهة.. إدارات الأندية أيضاً شريكة فى هذه الجريمة، فعندما تمنع لاعبيك من الانضمام لمنتخب بلادهم لأن أمامهم مباراة محلية، فهذه تغذية لروح الأنانية والنرجسية، عندما ترفع شعار أن ناديك فوق الجميع فهى دعوة للتعصب الأعمى والنظرة الدونية التى تطالب جماهيرك بالنظر بها للأندية الأخرى.. عندما تزكى فى نفوس تلك الجماهير أن أى نتيجة غير الفوز هى من المؤكد مؤامرة على الفريق ورغبة فى تعطيل مسيرته، فأنت تقول لهم إن الرياضة من وجهة نظرك فوز فقط، وليست فوزاً وهزيمة، مثلما يحدث لأكبر وأهم أندية العالم.. عندما تدافع عن لاعب فى فريقك ولا تبادر بعقابه لأنه ارتكب خطأ كبيراً شاهده الجميع على الهواء، فأنت تدعو غيره من اللاعبين لأن يفعل ما يشاء ضد خصمه فى الملعب، وهو آمن من العقاب.. عندما تشحن جماهيرك بأن المباراة المقبلة مهما كان أهميتها أو مستوى الخصم، هى مباراة حياة أو موت، فأنت تزرع فى نفوس الجماهير، خاصة الاطفال منهم وهم كثر، أن أى نتيجة غير الفوز هى بمثابة موت، مع أن الموضوع فى النهاية لعبة من المفروض أن تكون مصدراً للمتعة وليس للصراع والفرقة، مثلما يحدث فى كل دول العالم.. شيء جميل أن تسعى دائماً لتكون الأول فى أى مجال، لكن ليس جميلاً أن تكون الأول وأنت تفتقد الروح الرياضية..
لكل ما سبق، لم أندهش من عدم مصافحة لاعبى منتخبنا الأوليمبى لنظرائهم من أعضاء الفريق المغربى الشقيق بعد الهزيمة منهم صفر مقابل ستة، هذا التصرف أسوأ من الهزيمة لو تعلمون، لأنه تصرف يخص الأخلاق والروح الرياضية، بينما من الممكن أن يكون هناك ألف سبب حقيقى للهزيمة فى مباراة أو خسارة بطولة حتى.. ولذا لم أندهش أيضاً أنه فى نفس توقيت الهزيمة الثقيلة، كانت بعض الجماهير تتابع مباراة محلية مضمونة النتيجة للفارق الكبير مع مستوى المنافس.
على فكرة التعصب للأندية، وإن كنت لا أحبذ هذا التعبير، لا يتناقض أبداً مع التعصب للمنتخب.. كلنا نرى حماس الجماهير الإنجليزية فى تشجيعها لأنديتها، ولكن كلنا نشاهد الجنون، وإن كنت أيضاً لا أحبذ هذا التعبير، الذى يشجع به ذلك الجمهور المنتخب الإنجليزى.. لا أتمنى طبعاً أن نقلد هذه الجماهير فى جنونها، لكن على الأقل فى حماسها وهى تشجع منتخبها بشكل منقطع النظير.. ليس الإنجليز فقط، بل كل جماهير العالم المتقدم فى كرة القدم، والخلاصة علينا أن ندرك كجماهير عاشقة لكرة القدم أنه طبيعى أن نحب فريق نادينا الذى نشجعه، لكن حبنا لمنتخبنا يجب أن يكون أشد، أن نهتف للاعبى فريق النادي، لكن هتافنا للاعبى منتخبنا يجب أن يكون أعمق، فهكذا وهكذا فقط، تستقيم أمور الرياضة عندنا، وبغير ذلك لن نقف فقط محلك سر، بينما العالم يتقدم خطوات فى الثقافة الرياضية الراقية، بل وبكل آسف سنرجع كل يوم خطوة للوراء!..