تفاني ونجح في التكويش بنهم مستأثرا بعدة مناصب ، وكأنه الوحيد في البلد الذي يستطيع القيام بتلك المهام ، يتغير الوزراء وهو باق في مكانه على مدى حوالي عقدين أو أكثر ،تحولت وظيفته إلى أبعادية خاصة له، أخذت حياته زخرفها وازينت ،تضخم حسابه في البنوك لكأنه ينافس قارون ،عبارات الإطراء والمديح من حوله أصابته بالصمم فلا يسمع لناصح ، يرى نفسه دوما أنه المحسن صنعا ، وأن أي انتقاد له ماهو إلا محض حقد وحسد ، بيد أن مايؤرق حياته ويخشاه هو عيد ميلاده الذي تعامل معه وطاقم مكتبه كأنه سر حربي،حتى أنه استعان ببعض من أصحاب الأقلام المدلسه ليموهوا تاريخ ميلاده الحقيقي ، فلقد وصل سن المعاش منذ عام ، ونجح في الحصول على تجديد لعام قارب على الانتهاء ،لقبوه بالطفل المعجزة ،البطريق ،حاصد المناصب حتى أنه كان رئيسا ومرؤوسا لنفسه بسلطات مطلقة ، الذين تبناهم وتعدهم بالرعاية لم يكن لوجه الله بل للاستفادة منهم متعاملا كمقاول أنفار يستثمر كفاءاتهم ويجنى الأرباح ، تسرب القلق لنفسه في صورة مطردة يوما بعد يوم ،القوانين ستقف دون حلمه وستخلعه كالضرس السليم بدون مخدر من على كرسيه ، لن يفيده تشبثه وتمسكه وعلاقاته اللامحدودة ، وهاهو يوم مولده قد عاد ،ليتلقى اتصالا تليفونيا من الوزير يشكره على تفانيه في عمله ، مع وعد ببحث إمكانية تعيينه مستشارا ،وطبعا عليه أن يخلي مكتبه ،أو كرسي عرشه للبديل الذي حل محله ،خرج من مكتبه لايعرف إلى أين يتجه ،جلس وحيدا في الحديقة الكبيرة الملحقة بعمله السابق والريح تصفر من حوله وأوراق الأشجار اليابسة تتطاير ، جو خريفي ،دفعة من رزاز مطر اضطرته لاستدعاء السائق ليقود سيارة عمله للمرة الأخيرة في طريق العودة للبيت،تتردد على مسامعه مقولة الفنان يوسف وهبي ما الدنيا إلا مسرح كبير ،وهاقد أسدل الستار فلقد انتهى العرض مع صيحات استهجان وغضب من الجمهور .